لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون

حين يبتغي المسلم وجه ربه ويجعل همّه تحقيق أوامره واجتناب نواهيه، يهين عليه كل
صعب ويرخص كل غال، فتتعالى روحه عن العالم السفلي ومادياته وتتسامى إلى ذلك الأفق
الرحب، محلّقة تعانق فضائل الأخلاق، ومن أعظم مكارم المسلمين أن يبادروا بالتصدّق
مما يحبّون كما ورد في الآية الكريمة "لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون"، وحين
يتأتى للمسلم ذلك، يكون قد أدرك فعلا المراتب السامية في العبادة وتخلّص من براثن
الطمع والتمسّك بالمتاع الزائل، ولأجل ذلك يكون من فضائل الصدقة بعض ما سيأتي
ذكره.

من فضائل الصدقة

- لا يصل العبد إلى حقيقة البرّ إلا بالصدقة،
قال تعالى "لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ".
-
المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك، يقول صلى الله عليه وسلم "ما من يوم
يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما؛ اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول
الآخر، اللهم أعط ممسكاً تلفا".
- صاحب الصدقة يُبارك له في ماله كما أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم، قال "ما نقص صدقة من مال"، صحيح مسلم.
- لا يبقى لصاحب
المال من ماله إلاَّ ما تصدق به كما في قوله تعالى "وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
فَلأَنْفُسِكُمْ"، ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة
التي ذبحوها ما بقي منها، قالت ما بقي منها إلا كتفها، قال "بقي كلها غير كتفها"،
صحيح مسلم.
- يُضاعف الله للمتصدق أجره لقوله تعالى "إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ
وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ
أَجْرٌ كَرِيم" وقوله تعالى "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ".
- المتصدق يُدعى من باب خاص في الجنة، يقال له "باب الصدقة" كما
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أنفق
زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة، يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة
دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل
الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، قال أبو
بكر، يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك
الأبواب كلها؟ قال، نعم، وأرجو أن تكون منهم".
- إذا اجتمعت الصدقة مع الصيام
واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد، أوجب ذلك لصاحبها الجنة كما في حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أصبح منكم اليوم
صائما؟ قال أبو بكر، أنا، قال، فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر، أنا، قال،
فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر، أنا، قال، فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال
أبو بكر، أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما اجتمعت في امرئ إلا دخل
الجنة"، رواه مسلم.
- في الصدقة انشراح الصدر وراحة القلب وطمأنينته، قال النبي
صلى الله عليه وسلم "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من
ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه
وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو
يوسعها ولا تتسع"، رواه البخاري، ومن ثم فلو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة
وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها، قال تعالى "وَمَن يُوقَ
شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

شكرا لك

شكرا لك اخي