الحمد لله ،
و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من والاه .
أما بعد :
( فإن النحو علم يُعرف به حقائق المعاني ، و يوقف به على معرفة الأصول و
المباني ، و يحتاج إليه في معرفة الأحكام ، و يستدل به على الفرق بين
الحلال و الحرام ، و يُتوصل بمعرفته إلى معاني الكتاب ، و ما فيه من الحكمة
و فصل الخطاب )[1]
و لابد له مع ذلك من أصول تُحكمه ، و ضوابط تضبطه حتى يكون الاستدلال ، و
الاحتجاج على أصول و قواعد محكمة.
و قد كتب في ذلك الجلال السيوطي ( الاقتراح في أصول النحو و جدله ) فنثر
فيه درراً ، و غرراً ، و فوائد بديعة ، و شوارد رفيعة .
و مما زاده جمالاً على جماله شرح ابن الطيب الفاسي ( فيض نشر الانشراح من
روض طي الاقتراح ) عليه ، فجلى فيه غوامضه ، و أبان مشكلاته .
و قد اعتراهما حشوٌ يُورث الملل و السآمة على المشتغل بالقراءة فيهما .
و قد صحَّ العزم باختصار و تهذيب لكتاب السيوطي مقتصراً فيه على المهم من
تلك الأصول ، وزائداً عليه المهم _ من غيـره _ ، مجانباً للحشو فيه .
و سميته بـ ( النحو إلى أصول النحو ) .
و مرادي بـ ( النحو ) الأولى القصد إذ هو من معانيه [2]، و بالثانية العلم -
أي علم النحو -.
و الله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله .
مقدمات
أصول النحو : علم يُبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث هي أدلته ، و
كيفية الاستدلال بها، و حال المستدل بها .
حد النحو : علم بأصولٍ يُعرف بها أحوال أواخر الكلم العربية إعراباً و
بناءً .
و قيل : انتحاء سمْتِ كلام العرب ليلحق مَنْ ليس مِنْ أهل العربية بأهلها
في الفصاحة .
حد اللغات : اللغة أصوات يُعَبِّر بها كل قوم عن أغراضهم .
فصل
في مبدأ اللغة
اختلف أهل العربية في ذلك على أقوال ثلاثة :
الأول : أنها من وضع الله تعالى . وهو الأرجح .
الثاني : أنها اصطلاحية .
الثالث : التوقف .
فصل
في المناسبة بين الألفاظ و المعاني
أطبق أهل اللغة على التناسب بين الألفاظ و المعاني ، بل الألفاظ قوالب
للمعاني .
و هي شرط في الألفاظ لأنها إن كانت من وضع الله تعالى فهي لازمة لحكمته ،
أو كانت من وضع البشر فهي ظاهرة لمرادهم لمعناها .
و دلالة الألفاظ على المعاني إما :
(1) بذواتها .
(2) أو بوضع الله تعالى .
(3) أو بوضع الناس .
(4) أو بكون البعض بوضع الله ، و البعض بوضع الناس .
فصل
في الدلالات النحوية
الدلالة هي ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
و هي ثلاث دلالات :
الأولى : دلالة لفظية : وهو ما يعود إلى القول و الكلام .
الثانية : دلالة صناعية : و هي ما يعرف بالمصطلح .
الثالثة : دلالة معنوية : وهو ما يفهم من الملابسات المحيطة بالمتكلم من
غير استعانة بكلام كـقولك للمسافر : سفرا سعيدا أي تسافر سفرا سعيدا .
فصل
في الحكم النحوي
الحكم النحوي ستة أقسام :
الأول : الواجب ؛ كـ ( رفع الفاعل ) و تأخره عن الفعل .
الثاني : الممنوع ؛ كعكس ما سبق .
الثالث : الحسن ؛كرفع المضارع الواقع جزاءً بعد شرط ماضٍ .
الرابع : القبيح ؛ كرفع المضارع بعد شرط مضارع . وهو ضعيف أو ضرورة .
الخامس : خلاف الأوْلى ؛كتقديم الفاعل على المفعول نحو ( ضرب غلامُهُ زيداً
) بدلاً من ( ضرب زيداً غلامه ) .
السادس : جائز على السواء ؛ كحذف المبتدأ أو الخبر أو إثباته حيث لا مانع
من الحذف و لا مقتضى له .
و منه رخصة : وهو ما جاز استعماله لضرورة الشعر .
فصل
في طرق معرفة العجمة
الكلام العجمي هو كلُّ ما ليس بعربي ، و لو نقل إلى العربية .
و لمعرفة العجمة في الاسم طرائق سبعة :
الأولى : أن يُعرف بالنقل عن إمام من أئمة العربية .
الثانية : أن يكون خارجاً عن أوزان الأسماء العربية .
الثالثة : أن يكون أوله نون ثم راء كـ ( نرجس )، فإنه لا يعرف في العربية
اسم هذه حاله .
الرابعة : أن يكون آخره دالٌ بعدها زاي كـ ( مهندز )، أو دالٌ بعدها ذال كـ
( بغداذ ) .
الخامسة : أن يجتمع فيه :
(1) الجيم و الصاد كـ ( الصولجان ) .
(2) الجيم و القاف كـ ( المنجنيق ) .
(3) الجيم و الكاف كـ ( جنكيز ).
(4) الجيم و الطاء كـ ( الطاجن ) .
(5) السين و الذال كـ ( السذَّاب ) .
(6) الصاد و الطاء كـ ( صراط ) [3].
(7) الطاء و التاء كـ ( طست ) .
السادسة : أن يكون خماسياً أو رباعياً عارياً من الحروف الذلاقية _ و هي :
الباء ، و الراء ، و الفاء ، و اللام ، و الميم ، و النون _ .
فإذا كان الاسم كذلك _ أي رباعي أو خماسي وهو خالٍ من تلك الحروف _ فهو
أعجمي[4].
السابعة : أن يأتي الاسم و فيه لام بعدها شين ، فإن الشينات في العربية
كلها قبل اللام .
الأدلة
تثبت النحويات بأمور هي :
الأول : السماع : و المحتج به منه :
القرآن : فكلُّ ما ورد أنه قريء جاز الاحتجاج به في العربية سواءً كان :
(1) متواتراً وهو ما قرأ به السبعة .
(2) آحاداً وهو ما روي عن بعضهم و لم يتواتر .
(3) شاذاً : وهو ما كان عن غير السبعة .
و الإجماع على الاحتجاج بالقراءات الشاذة .
و ليس فيه لغة ضعيفة و لا شاذة و فيه لغات قليلة .
و ليس فيه ما ليس من لغة العرب ، و إنما يتوافق اللفظُ اللفظَ و يقاربه و
معناهما واحد . و أحدهما بالعربية و الآخر بغيرها . و كل ما فيه فهو أفصح
مما في غيره إجماعاً .
الحديث : الصحيح الاحتجاج به ، و هو أولى من غيره عدا القرآن .
و يستدل منه بما ثبت عن النبي e نقله على اللفظ المروي به ، و سواء فيه :
(1) المتواتر .
(2) الآحاد .
كلام العرب : و يحتج منه بما ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم ، حتى و لو
كانوا كفاراً .
و يحتج بكلام قبائل قلب الجزيرة : قريش ، قيس ، تميم ، أسد ، ثم هذيل ، و
بعض كنانة ، و بعض الطائيين .
و لا يؤخذ عمن جاور غير العرب لفساد ألسنتهم .
و لا يحتج بكلام المولّدين و المُحدَثِيْن .
و فرقٌ بين المولَّد و المصنوع ، فإن المصنوع يورده صاحبه على أنه عربي
فصيح ، و المولَّد بخلافه .
فصل
في أقسام المسموع
ينقسم المسموع عن العرب إلى قسمين :
(1) مُطّرِد : وهو الكلام المنقول عن العرب ، مستفيضاً ، بحيث
يُطْمَأَن إلى أنه كثير كي يقاس عليه .
(2) شاذ : وهو كلُّ كلام عربي أصيل ، لم تذكر له قاعدة كلية ، و لم
يحظَ بالشيوع و الكثرة ، و لا يقاس عليه .
و هما على أربعة أضرب :
الأول : مطرد في القياس و الاستعمال معاً و هذا هو المطلوب و الغاية : و هو
الكلام :
(1) الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على
الأعم و الأشمل .
(2) و الذي كثر استعماله في العربية .
الثاني : مطرد في القياس شاذ في الاستعمال : و هو الكلام :
(1) الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على
الأعم و الأشمل .
(2) و ندر استعماله .
الثالث : مطرد في الاستعمال شاذ في القياس : و هو الكلام :
(1) الذي خرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و
الأشمل .
(2) الذي كثر استعماله .
الرابع : شاذ في القياس و الاستعمال معاً : و هو الكلام :
(1) الخارج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و
الأشمل .
(2) و لم تستخدمه العرب . وهو مجمع على رفضه .
فصل
في حكم اللغات
جميع لغات العرب حجة على اختلافها ، و يقاس عليها .
و يستعمل الأقوى و الشائع منها .
فائدة : اختلاف اللغات من وجوه :
الأول : الاختلاف في الحركات .
الثاني : الاختلاف في الحركة و السكون .
الثالث : الاختلاف في إبدال الحروف .
الرابع : الاختلاف في الهمز و التليين .
الخامس : الاختلاف في التقديم و التأخير .
السادس :الاختلاف في الحذف و الإثبات .
السابع : الاختلاف في الحرف الصحيح يُبْدَل حرفاً معتلاً .
الثامن : الاختلاف في الإمالة و التفخيم .
التاسع : الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول ، و
منهم من يضم .
العاشر : الاختلاف في التذكير و التأنيث .
الحادي عشر : الاختلاف في الإدغام .
الثاني عشر : الاختلاف في الإعراب .
الثالث عشر : الاختلاف في صورة الجمع .
الرابع عشر :الاختلاف في التحقيق و الاختلاس .
الخامس عشر :الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث .
السادس عشر :الاختلاف في الزيادة ، نحو : انظر و انظور .
و من اختلاف اللغات ما هو اختلاف تضادٍّ .
و قد يكون في الكلمة لغتان ، أو ثلاث ، أو أربع ، أو خمس ، أو ست ، و لا
يكون أكثر من ذلك .
الثاني : الإجماع : وهو اتفاق علماء النحو و الصرف على مسألة أو حكم .
و المراد بالعلماء أئمة البلدين _ الكوفة و البصرة _ ، أو أكثر النحاة ، لا
كلّ العلماء في العصور .
و إجماع العرب إن وقف عليه .
و هو حجة إذا لم يخالف :
(1) المنصوص .
(2) المقيس على المنصوص .
و يعمل بالمجمع عليه عند تعارضه مع المختلف فيه .
و إحداث قولٍ من تركيب للمذاهب شبيه بتداخل اللغات .
مسألة : هل يعتبر الإجماع السكوتي ؟
التحقيق على اعتباره .
الثالث : القياس : وهو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه .
وهو معظم أدلة النحو ، و التعويل عليه في أغلب المسائل النحوية .
و لا يتحقق إنكاره لأنه أغلب النحو ، و إنكاره إنكار للنحو .
و ينقسم إلى :
(1) حمل فرع على أصل .
(2) حمل أصل على فرع .
(3) حمل نظير على نظير .
(4) حمل ضد على ضد .
و الأول و الثالث هو قياس المساوي : وهو أن تكون العلة في الفرع و الأصل
على سواء .
و الثاني قياس الأولى : و هو أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل .
و الرابع قياس الأدون : و هو أن تكون العلة في الفرع أضعف منها في الأصل .
وهو ينقسم _ أيضاً _ :
(1) قياس جلي : أي واضح ظاهر لوضوح جامعية علته
للأصل و الفرع .
(2) قياس خفي : وهو ترك القياس و الأخذ بما هو
أوفق للناس ، و هو الاستحسان .
والقياس أنواع ستة :
الأول : القياس الأصلي : وهو إلحاق اللفظ بأمثاله في حكم ثبت لها باستقراء
كلام العرب ، حتى انتظمت منه قاعدة عامة .
الثاني : قياس التمثيل : وهو إعطاء الكلم حكم ما ثبت لغيرها من الكلم
المخالفة لها في نوعها ، و لكن توجد بينهما مشابهة في بعض الوجوه .
الثالث : قياس الشبه : وهو حمل العرب لبعض الكلمات على أخرى ، و إعطاؤها
حكمها لشبه بينهما من جهة المعنى .
الرابع : قياس العلة : وهو اشتراك المقيس و المقيس عليه في العلة التي يقوم
الحكم عليها . و يأتي الكلام على العلة إن شاء الله تعالى .
الخامس : قياس الطرد : وهو الذي يوجد معه الحكم للاطراد .
السادس : إلغاء الفارق : وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا
يؤثر ، فيلزم اشتراكهما .
و شروطه :
الأول : أن لا يكون المقيس عليه شاذاً .
الثاني : أن يكون المقيس قد قيس على كلام العرب .
الثالث : أن يكون الحكم قد ثبت استعماله عن العرب .
و أركانه أربعة :
الأول : الأصل : و هو المقيس عليه .
و من شرطه : أن لا يكون شاذاً خارجاً عن سَنَنِ القياس .
و ليس من شرطه الكثرة ؛ إذ قد يقاس على القليل لموافقته للقياس ، و لا يقاس
على الكثير لمخالفته إياه .
و يجوز تعدد الأصول المقيس عليها .
الثاني : فرع : وهو المقيس .
و هو من كلام العرب إذ القياس على كلامهم .
الثالث : الحكم : وهو ما يكتسبه الفرع من الأصل .
و يقاس على حكم ثبت استعماله عن العرب ، و على ما ثبت بالقياس و الاستنباط .
و هل يجوز القياس على أصل مختلف في حكمه ؟
يجوز عند إقامة الدليل ، و يمنع عند عدمه .
الرابع : العلة الجامعة بين الأصل و الفرع .
اعتلالات النحويين صنفان :
الأول : علة تطرد على كلام العرب و تنساق إلى قانون لغتهم ، و هي الأكثر
استعمالاً ، و أشد تداولاً .
الثاني : علة تُظهر حكمة العرب ، و تكشف عن صحة أغراضهم و مقاصدهم في
موضوعاتهم .
و العلة قد تكون :
(1) بسيطة : و هي التي يقع التعليل بها من وجه واحد .
(2) مركبة : وهي التي يقع التعليل بها من عدة أوجه .
و أكثر العلل على الإيجاب .
و ثبوت الحكم في محل النص ثبوت بالعلة لا بالنص .
من شرط العلة : أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه .
و يجوز :
(1) التعليل بعلتين .
(2) تعليل حكمين بعلة واحدة .
(3) التعليل بالأمور العدمية .
فصل
في مسالك العلة
الأول : الإجماع : وهو أن يجمع أهل العربية على أن علة هذا الحكم كذا .
الثاني : النص : وهو أن ينصَّ العربي على العلة .
الثالث : الإيماء : وهو الإشارة إلى العلة بخفاء .
الرابع : السبر و التقسيم : و هو ذكر الأقسام المحتملة ، ثم يختبر ما يصلح
منها و ينفي ما عداه بطريقه .
الخامس : المناسبة : و هو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علّق عليها
الحكم في الأصل .
و هل يجب لإظهار المناسبة عند المطالبة ؟
قيل يجب ، و قيل لا يجب .
السادس : الشبه : وهو أن يحمل الفرع على الأصل بنوع من الشبه غير العلة
التي علّق عليها الحكم في الأصل .
و قياسه قياس صحيح يجوز التمسك به كقياس العلة على الصحيح .
السابع : الطرد : وهو الذي يوجد معه الحكم وتفقد المناسبة في العلة .
الثامن : إلغاء الفارق : و هو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا
يؤثر فيلزم اشتراكهما .
فصل
في القوادح في العلة
الأول : النقض :و هو أن توجد العلة و لا يوجد الحكم .
و هذا عند من لا يرى التخصيص ببعض الأفراد لوجود اطّرادها ، فإذا وُجدت وجد
الحكم فتخلفه عنها مع وجودها نقض لها .
الثاني : تخلف العكس : أي كون العلة غير منعكسة .
و العكس شرط في العلة وهو : أنه إذا فقدت العلة فقد الحكم .
الثالث : عدم التأثير : وهو أن يكون الوصف لا مناسبة له _ أي لا أثر له في
الحكم _ .
و الأوصاف في العلة مفتقرة إلى شيئين :
أولهما : أن يكون لها تأثير .
ثانيهما : أن يكون فيها احتراز .
الرابع : القول بالموجب : و هو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجباً للعلة مع
استبقاء الخلاف ، و متى توجه الخلاف كان المستدل منقطعاً ، فإن توجه الخلاف
في بعض الصور المختلف فيها مع عموم العلة لتلك الصور لم يعد المستدل
منقطعاً .
الخامس : فساد الاعتبار : وهو أن يستدل بالقياس في مقابلة النص عن العرب .
السادس : فساد الوضع : و هو كون الجامع في القياس ثبت اعتباره بنصٍ أو
إجماع في نقيض الحكم .
و هو أيضاً : تعليق العلة على ضد المقتضى .
السابع : المنع للعلة : أي عدم قبولها _ و قد يكون في الأصل و الفرع _ .
و عدم قبول العلة مكابرة ، و موجب لقطع المناظرات .
الثامن : المطالبة بتصحيح العلة : أي أن يطالب المعترضُ المستدلَّ بثبوت
العلة .
التاسع : المعارضة : وهو أن يعارَض المستدل بعلة مبتدأة .
فصل
في الأسئلة
السؤال مبناه على أربعة أركان :
الأول : السائل و هو الطالب للجواب .
و ينبغي له أن يقصد قصد المستفهم ، و يسأل عما ثبت فيه الغموض .
الثاني : المسؤول به : و هي أدوات الاستفهام المعروفة .
و يكون السؤال مفهوماً غيرَ مبهمٍ .
الثالث : المسؤول منه : و هو المطلوب منه الجواب على السؤال .
و شرطه أن يكون من أهل الفن المسؤول فيه كالنحوي عن النحو .
و يستحب له : أن يجيب بعد تعيين السؤال ، و سكوته بعده قبيح ، إلا إذا كان
سكوته لما رآه من الحاضرين ما لا يليق بالأدب .
و قبيحٌ سكوته عن ذكر الدليل بعد الجواب زمناً طويلاً ؛ إلا إذا كان سكوته
بحثاً عن أقرب الطرق إيفاءً بالغرض ، و ينبغي له أن يتحرى في الفتوى ما لا
يتحرى بالمذاكرة .
و له أن يزيد في الجواب إذا اقتضى ذلك .
و النقص فيه _ أي الجواب _ عيب لما فيه من الإخلال بالجواب ، و عدم
استيفائه .
و إذا كان السؤال عاماً كان الجواب عاماً .
الرابع : المسؤول عنه : وهو الأمر المتطلب جواباً .
وينبغي أن يكون مما يمكن إدراكه و الإحاطة به .
و الجواب : هو المطابق للسؤال .
فصل
في اجتماع الأدلة
قد تجتمع الأدلة السابقة _ السماع و الإجماع و القياس _ دليلاً على مسألة .
فصل
في الاستصحاب
وهو استمرار الحكم و بقاء ما كان على ما كان .
و هو من الأدلة المعتبرة ، و من أضعفها .
و لا يجوز التمسك به حال وجداننا لدليل .
و إذا تعارض مع دليلِ سماعٍ أو قياسٍ فلا عبرة به .
فصل
في أدلة متفرقة شتى
اعلم أن أدلة النحو كثيرة جداً لا تحصر ، و ما مر ذكره فهو منضبط بضابط ، و
هناك أدلة لا ضابط خاص لها تندرج تحته ، منها :
الأول : الاستدلال بالعكس :وهو أن يعكس دليل على حكم مّا لإبطال هذا الحكم .
الثاني : الاستدلال ببيان العلة : و هو تبيان علة الحكم للاستدلال بوجودها
على وجوده، و بعدم وجودها على عدم وجوده .
وهو نوعان :
الأول : أن يبيِّن علة الحكم و يستدلَّ بوجودها في موضع الخلاف ليوجد بها
الحكم .
الثاني : أن يبين العلة ث يستدل بعدمها على عدم ذلك الحكم في موضع الخلاف .
الثالث : الاستدلال بعدم الدليل في شيء على نفيه : وهو نفي الدليل لعدم
وجوده ، لأنه يلزم من فقد العلة فقد المعلول .
و هذا يكون في أي أمر ثبت فإن دليله يظهر ظهوراً لا خفاء فيه .
الرابع : الاستدلال بالأصول : وهو إبطال دليل بالرجوع إلى الأصل .
الخامس : الاستدلال بعدم النظير : وهو النفي لعدم وجود دليل على الإثبات .
فإن وجد الدليل على الإثبات لم يلتفت إليه .
السادس : الاستحسان : وهو ترك القياس و الأخذ بما هو أوفق للناس .
وهو القياس الخفي .
و دلالته ضعيفة غير محكمة .
ومنه :
(1) ترك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة .
(2) ما يخرج عن أصل قاعدته كـ ( استحوذ ) .
(3) ما يبقى الحكم فيه مع زوال علته .
(4) إذا اجتمع التعريف العلَمي و التأنيث السماعي أو العجمة في الثلاثي
الساكن الوسط ، فالقياس منع الصرف ، و الاستحسان صرفه لخفته .
مثال المؤنث : هند . العجمة : نوح .
السابع : الاستقراء : و هو تعرُّف الشيء الكلي بجميع جزئياته .
أو إثبات الأمر الكلي بتتبع الجزئيات .
الثامن : الدليل المسمى بـ ( الباقي ) : و هو بقاء الدليل على حكمه الأصلي
في جانب معيَّن بعدما خولفت الجوانب الأخرى لعلة اقتضت ذلك .
بيان ذلك :
أن الإعراب لا يدخل منه شيء في الفعل ، لأن الأصل البناء لعدم وجود علة
تقتضي الإعراب .
و لكن هذا الحكم قد خولف في دخول الرفع و النصب في المضارع . لوجود العلة
المقتضية للنصب و الرفع .
و هذا الحكم لم يُخالَف في الجر ، و هذا هو الدليل الباقي من أن الأصل عدم
دخول الإعراب على الفعل .
التعارض و الترجيح
إذا تعارض نقلان أخذ بأرجحهما :
و الترجيح إما أن يكون في :
(1) الإسناد : و ذلك بأن يكون رواة أحد النقلين أكثر من الآخر ، أو أعلم و
أحفظ .
(2) المتن : و ذلك بأن يكون أحد النقلين على وَفْق القياس ، و الآخر على
خلافه .
إذا تعارض ارتكاب شاذ و لغة ضعيفة فارتكاب اللغة الضعيفة أولى من الشاذ .
إذا تعارض قياسان أخذ بأرجحهما و هو ما وافق دليلاً آخر من : نقلٍ أو قياس .
و إذا تعارض القياس و السماع نُطِقَ بالمسموع على ما جاء عليه لأنه نص
الأصل .
و إذا كان التعارض في قوة القياس و كثرة الاستعمال قُدِّم ما كثر استعماله .
و إذا تعارض أصل و غالب فالعمل بالأصل ، و قد يعمل بالغالب على قلة .
و إذا تعارض قبيحان أُخذ بأقربهما ، و أقلهما فحشاً .
و إذا تعارض قولان عن عالم أحدهما مرسل _ أي لم يقيَّد بدليل _ ، و الآخر
معلل _ أي مقيَّد بدليل _ أخذ بالثاني لقيام حجته .
أحوال مستنبط هذا العلم
من شرطه :
(1) أن يكون عالماً بلغة العرب .
(2) أن يكون محيطاً بكلامها .
(3) أن يكون مطلعاً على نثرها و نظمها .
(4) أن يكون خبيراً بصحة نسبة ذلك إليهم .
(5) أن يكون عالماً بأحوال الرواية .
(6) أن يكون عالماً بإجماع النحاة .
و إذا أدى المجتهدَ القياسُ إلى شيء ثم سمع العرب نطقت بغيره على قياسٍ
غيره فإنه يدع ما كان عليه .
قال مقيده _ عفا الله عنه _: وافق الفراغ من رَقْم هذه الوجيزة الأصولية
النحوية مغرب يوم الثلاثاء العشرين من شهر ربيع الأول عام اثنين و عشرين و
أربعمائة و ألف في رياض نجد .
و الحمد لله رب العالمين .
----------------
[1] شرح عيون الإعراب لابن فضال 123.
[2] قال الداودي ناظماً معاني كلمة ( نحو ) :
النحو في لغة قصد كذا مثل و
جانبٌ وقريب بعض مقدار
نوع و مثل بيان بعد ذا عقب عشر
معانٍ لها في الكل أسرار
انظر : فيض نشر الانشراح 1/229 ، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/10 .
[3] و حكموا بأن الصاد مبدلة من السين ، و ليستا لغتان . ( الفيض 1/403 ) .
[4] نظم السيوطي بعض هذه الضوابط بقوله :
و تعرف العجمة بالنقل و أن يخرج
عن وزن به الاسم اتزن
و إن تلا في الابتدا النون را و
الدال زاي أو رباعي عـرا
عن الذلاقـة و ماذا تبعـا و
الصاد أو قاف و جيم حمعا
أنظر : الفريدة 1/108 ( الشرح ) .
النحو إلى أصول النحو
عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق