فصل في ذكرى الهجرتين الأولى والثانية
لما كثر المسلمون وخاف منهم الكفار اشتد أذاهم له صلى الله عليه وسلم وفتنتهم إياهم فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى
الحبشة وقال
إن بها ملكا لا يظلم الناس عنده فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجلا وأربع نسوة منهم
عثمان بن عفان وهو أول من خرج ومعه زوجته
رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقاموا في
الحبشة في أحسن جوار فبلغهم أن قريشا أسلمت وكان هذا الخبر كذبا فرجعوا إلى
مكة فلما بلغهم أن الأمر أشد مما كان رجع منهم من رجع ودخل جماعة فلقوا من
قريش أذى شديدا وكان ممن دخل
عبد الله بن مسعود .
ثم أذن لهم في الهجرة ثانيا إلى
الحبشة فهاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلا إن كان فيهم
عمار فإنه يشك فيه ومن النساء ثمان عشرة امرأة فأقاموا عند
النجاشي على أحسن حال فبلغ ذلك قريشا فأرسلوا
عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة في جماعة ليكيدوهم عند
النجاشي فرد الله كيدهم في نحورهم فاشتد أذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحصروه وأهل بيته في الشعب
شعب أبي طالب ثلاث سنين وقيل سنتين وخرج من الحصر وله تسع وأربعون سنة وقيل ثمان وأربعون سنة وبعد ذلك بأشهر مات عمه
أبو طالب وله سبع وثمانون سنة وفي الشعب ولد
عبد الله بن عباس فنال الكفار منه أذى شديدا ثم ماتت
خديجة بعد ذلك بيسير فاشتد أذى الكفار له فخرج إلى
الطائف هو
وزيد بن حارثة يدعو إلى الله تعالى وأقام به أياما فلم يجيبوه وآذوه وأخرجوه وقاموا له سماطين فرجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه فانصرف عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى
مكة وفي طريقه لقي
عداسا النصراني فآمن به وصدقه وفي طريقه أيضا بنخلة صرف إليه نفر من
الجن سبعة من
أهل نصيبين
فاستمعوا القرآن وأسلموا وفي طريقه تلك أرسل الله إليه ملك الجبال يأمره بطاعته وأن يطبق على قومه أخشبي
مكة وهما جبلاها إن أراد فقال
: لا بل أستأني بهم لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا
وفي طريقه دعا بذلك الدعاء المشهور
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي . . .
الحديث ثم دخل
مكة في جوار
المطعم بن عدي ثم أسري بروحه وجسده إلى [url=http://sirah.al-islam.com/places.asp?p=%c7%e1%e3%d3%cc%cf% %c7%e1%c3%de%d5%ec]المسجد الأقصى [/url]ثم عرج به إلى فوق السموات بجسده وروحه إلى الله عز وجل فخاطبه وفرض عليه الصلوات وكان ذلك مرة واحدة هذا أصح الأقوال .
وقيل كان ذلك مناما وقيل بل يقال أسري به ولا يقال يقظة ولا مناما .
وقيل كان الإسراء إلى
بيت المقدس يقظة وإلى السماء مناما . وقيل : كان الإسراء مرتين مرة يقظة ومرة مناما .
وقيل بل أسري به ثلاث مرات وكان ذلك بعد المبعث بالاتفاق .
وأما ما وقع في حديث شريك أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه فهذا مما عد من أغلاط شريك الثمانية وسوء حفظه لحديث الإسراء . وقيل إن هذا كان إسراء المنام قبل الوحي . وأما إسراء اليقظة فبعد النبوة وقيل بل الوحي هاهنا مقيد وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة والمراد قبل أن يوحى إليه في شأن الإسرار فأسري به فجأة من غير تقدم إعلام والله أعلم .
فأقام صلى الله عليه وسلم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله تعالى ويعرض نفسه عليهم في كل موسم أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه ولهم الجنة فلم تستجب له قبيلة وادخر الله ذلك كرامة للأنصار فلما أراد الله تعالى إظهار دينه وإنجاز وعده ونصر نبيه وإعلاء كلمته والانتقام من أعدائه ساقه إلى
الأنصار لما أراد بهم من الكرامة فانتهى إلى نفر منهم ستة وقيل ثمانية وهم يحلقون رءوسهم عند عقبة
منى في الموسم فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فاستجابوا لله ورسوله ورجعوا إلى
المدينة فدعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ولم يبق دار من دور
الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة
مسجد بني زريق ثم قدم
مكة في العام القابل اثنا عشر رجلا من
الأنصار منهم خمسة من الستة الأولين فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء عند
العقبة ثم انصرفوا إلى
المدينة فقدم عليه في العام القابل منهم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان وهم أهل
العقبة الأخيرة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم فترحل هو وأصحابه إليهم واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر نقيبا وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى
المدينة فخرجوا أرسالا متسللين أولهم فيما قيل :
أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وقيل نزل على
كلثوم بن الهدم . وقيل على
سعد بن خيثمة والأول أشهر فأقام عندهم أربعة عشر يوما وأسس
مسجد قباء ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في
بني سالم فجمع بهم بمن كان معه من المسلمين وهم مائة ثم ركب ناقته وسار وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم ويأخذون بخطام الناقة فيقول
خلوا سبيلها فإنها مأمورة فبركت عند مسجده اليوم وكان مربدا لسهل وسهيل غلامين من
بني النجار فنزل عنها على
أبي أيوب الأنصاري ثم بنى مسجده موضع المربد بيده هو وأصحابه بالجريد واللبن ثم بنى مسكنه ومساكن أزواجه إلى جنبه وأقربها إليه مسكن
عائشة ثم تحول بعد سبعة أشهر من دار أبي أيوب إليها وبلغ أصحابه بالحبشة هجرته إلى
المدينة فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا فحبس منهم بمكة سبعة وانتهى بقيتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم
هاجر بقيتهم في السفينة عام
خيبر سنة سبع .