.......................................................................................................................................................................................................................
ياسر علي ديب يضبط تعاطي الأرجنتين "المارادونا"!!
دييجو أرماندو مارادونا عاش ومات ومات وعاش وهاهي الأسطورة ما زالت حية، ومازلت وسائل الإعلام تنجذب إليها صاغرة، عن حب لها، أو حب بنشر كل ما يسيء إليها.
ولادته كانت أسطورة بالنسبة لوالده الفقير، المهاجر من مكان إلى آخر بحثا عن لقمة عيش، لقد ولد مارادونا بعد (هاتريك) من الشقيقات، وفتح الطريق لذكور العائلة، ليكحل الوالد عينه بغلامين من بعده، لعبا مثله كرة القدم، لكن دييجو (لا قبله ولا بعده) ليس لوالده وأمه فقط، بل للمليارات ممن يتغنون بفنّه، أما من فاتته نشوة متابعة الأسطورة حية على الهواء في (4) بطولات لكأس العالم، فلا يزال (يعيد ويكرر) لقطات الإبداع متسائلا: ترى هل سيجود الزمان بمثله؟
حياته كانت صاخبة، مليئة بألعاب ساحرة أدهشت العالم، ومفعمة بأفراح غطّت مساحات شاسعة بطول الأرض وعرضها، ومليئة في الوقت نفسه بأحزان وخيبات أمل تحتاج إلى المحيطين الهادي والأطلسي لغسل صدأ آلامها.
كان في الثانية عشرة من عمره عندما كان (ينطط) الكرة بين شوطي مباراة الرجال خاطفا قلوب الناس، وما زال لليوم وهو في الخمسين (يحنّ) لحبيبته الأبدية (فينططها) على مرأى من عيون العالم في جنوب إفريقيا وهو يقف بجانب خط التماس عبر تصرفات عفوية لم يفعلها من قبله أي مدرب، أَوَ لم نقل لكم (لا من قبله ولا من بعده أحد)!!
لقد حمل عبر تاريخه (أمجد) الكؤوس لينشر الفرح في الأرض قاطبةً، واضطر في يومٍ من الأيام ليحمل بندقية صيد ويتصرف بجنون ليحمي خصوصية أسرته الصغيرة، وفي الحالتين كان محاصرا من الإعلام، مرة كبطل قومي، ومرة كمجرم مجنون.
كان مطلوبا ومرحبا به من قبل أكثر الشخصيات نفوذا في العالم، وعندما أخطأ و(وقع) صار مطلوبا من أشد الهيئات بطشا، مصلحة الضرائب، ومكافحة المخدرات.
دييجو العفوي الطيب، دفع ثمنا غاليا لعفويته ووطنيته عندما انتقد (الفيفا) بخصوص قرعة كأس العالم عام 1990معتبرا بأن (الفيفا) جامل الدولة المضيفة إيطاليا، و(فبرك) القرعة لمصلحتها، وهذا الاتهام بلا شك أو مواربة، فيه الكثير من الصحة، ولكن التصريح به هو خطأ قاتل، إذ لم يكن دييجو يعرف بأن عواقب إعلان الحرب على إمبراطورية (الفيفا) أقسى بكثيرٍ من إعلان الحرب على دولة جغرافية، ولذلك انتظر (الفيفا) أي فرصة للانقضاض على هذا المتمرد (الغيفاري)، وكانت مأساته الثانية في مونديال أمريكا 1994.
بالطبع لا يمكننا أبدا تغطية شمس الحقيقة بغربال العواطف، فقد أخطأ مارادونا، وتعاطى ما هو مسموح وما هو ممنوع، وعليه أن يتقبل فكرة العقوبات، لأنها الرادع لمن يفكر في طريق مارادونا المزروع بالألغام، خاصةً وأنه النجم الذي تهوي إليه أفئدة الشبان.
لكن السؤال العادل ومن دون محاولة تبرير لأفعال مارادونا الحمقاء، هل فعلا كانت كل مشاكل مارادونا من صنع شيطانه الخاص؟ أم أن شياطين الإنس، وكبار القوم الذين (لحسوا) مخ هذا الفتى الفقير، فتاه في عوالمهم الأخطبوطية.
لقد وجد ذلك الفتى نفسه وخلال سنوات قصيرة (كان لا يزال فيها قاصرا) قد ملك العالم، أَوَ ليس (درهم) مال يحتاج إلى (قنطار) عقل؟
في إيطاليا كان المجد، وكان السقوط، لقد حوّل مارادونا نادي نابولي من فريق صغير إلى بطل إيطالي وأوروبي، وصار (قديسا) لهذه المدينة المدججة بالعواطف، ولذلك طلب من سكان نابولي في كأس العالم أن يشجعوا الأرجنتين في نصف النهائي أمام إيطاليا، وهنا اهتزت عظام (غاريبالدي – موحد إيطاليا) في قبره، لقد نال ذلك الأرجنتيني (الصعلوك) من الوحدة الوطنية الإيطالية، وفجأة ظهرت مشاكل إدمانه، وتهربه من الضرائب، فهوى من العلياء نجما، وتحول إلى شهب ساقط يحترق لوحده.
المهم أن مارادونا يعود اليوم إلى عالم نجومية كرة القدم (وهو الذي لم يغادرها) من باب المدربين، وبصراحة كانت هذه العودة مفاجئة للكثيرين بما فيهم نادي (كارهي مارادونا) الذي يتزعمه الأسطورة البرازيلية (بيليه) مع عددٍ من الشخصيات الرياضية والإعلامية، الذين شككوا بكفاءة (أشهر مدمن) على قيادة التانجو نحو المجد.
لكن (المدمن) على حب الكرة، والذي استطاع أن يصمد أمام مشاكل من كل الأنواع، وخاصةً الصحية، استطاع هذه المرة بصبر، وثبات، وتحكم هائل في التصرفات، أن يقود منتخب بلاده إلى النهائيات عبر مشوار صعب ومؤلم، نال فيه مارادونا ما ناله من نقدٍ قاسٍ وسخريةٍ لاذعة، لكنه نجح في النهاية ليكون موجودا في المونديال، خاطفا الأضواء من النجوم، لأنه وببساطة، لا يزال نجما حتى ولو صار جدا من حفيدة واحدة.
مارادونا في هذا المونديال رد بعنف على كل مهاجميه ومنتقديه، فأرسل بـ(بيليه) أولا إلى المتحف، ثم (تجاهل) بلاتيني بسبب معرفته بطبيعة الفرنسيين المتعالية، وتفنن في هزم منافسيه عبر فريق قوي منسجم وصفه الفرنسي (أرسين فينجر) بأنهم مقاتلون أكثر مما هم لاعبون، وأنهم قادرون على هزيمة أي فريق.
أما (بيكرمان) المدرب السابق للأرجنتين فقد قال عن مارادونا بأنه نجح في فرض نفسه، وفي فرض شخصيته الفنية، وبأنه وجد دائما حلولا لمعظم المشاكل الفنية.
لقد نجح (فخر) الأرجنتين حتى الآن في مهمته، أما خصومه ومنتقدوه، فمنهم من سقط ومنهم من سكت.
وظهر مارادونا إلى جانب قيادته الفنية، كأخ محب للاعبين، (يطبطب) على أكتافهم، ويشد من أزرهم، يقبلهم (داخلين خارجين)، ولم يبق له إلا أن (يصب) لهم القهوة.
أما في الأرجنتين، فلا صوت اليوم يعلو فوق صوت مارادونا، وإن كان هذا (العبقري المتمرد) قد (تعاطى) العديد من أصناف الممنوعات من (كوكايين) إلى (ماريجوانا)، فإن الأرجنتين اليوم بكاملها تتعاطى (المارادونا)!!