ملخص:
لم يكن تسيير النفايات الحضرية الصلبة – و لفترة غير بعيدة – محل اهتمام و معالجة منهجية صارمة من قبل السلطات المعنية. و قد أظهرت المعاينة الميدانية أنه لا يوجد حل مقبول يدمج الأبعاد البيئية و التشريعية و المالية في آن واحد. و أمام توسع المدن و تطور الصناعة في الجزائر و تغير أنماط الحياة، فالملاحظ أن ذلك أدى إلى تزايد كمية النفايات الصلبة الحضرية مما يتطلب إعادة النظر في تقنيات التسيير الخاصة بمعالجتها. و الحقيقة أن المقاربة التقليدية لجمع و نقل و معالجة النفايات الصلبة تعرف إلى غاية اليوم مشاكل تهدد الصحة العامة انطلاقا مما يلي:
-نقص الوسائل المادية و البشرية
- مشاكل تنظيمية
-نقص الموارد المالية
-صعوبات تطبيق النصوص القانونية
-نقص في تحسيس المواطن تجاه الموضوع
و في هدا الإطار تطرقت هده الدراسة إلى معالجة النفايات الصلبة الحضرية من زاوية بيئية تهتم بتدهور من جهة البيئة و محاولة تخفيض كمية النفايات عن طريق الاسترجاع الدي يشكل موردا ماليا للبلدية من جهة أخرى.
الكلمات المفتاحية : , النفايات الصلبة الحضرية, البيئة , التسيير .
مـقــدمـة:
تفاقمت مشكلة البيئة الحضرية بالجزائر بظهور النفايات باِختلاف أنواعها و تراكمها بالوسط الحضري بدون أدنى معالجة، مما يترتب عنها أضرار متعددة الجوانب. و اِزدادت اِهتمامات الدولة بموضوع البيئة الحضرية لاسيما بعد بروز مفهوم التنمية الحضرية المستدامة كبديل مناسب لمعالجة إشكالية التدهور البيئي من خلال تراكم النفايات الصلبة و ذلك بإصدارها العديد من القوانين و المراسيم أهمها القانون رقم 01/19 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها. وبذلك أصبح تسيير النفايات الحضرية الصلبة محل اهتمام و معالجة منهجية صارمة . لكن أمام التوسع المطرد و السريع للمدن و تطور الصناعة في الجزائر و تغير أنماط الحياة الحضرية صار لزاما علينا البحث عن حلول كاملة و جذرية .
إن تزايد كمية النفايات الصلبة الحضرية(يوميا بـ 8,5 مليون طن سنويًا على المستوى الوطني تُمثل منها النفايات الحضرية الصلبة 7 مليون طن) يتطلب إعادة النظر في تقنيات تسييرها يبرز جليا في الرمي المباشر لمختلف أنواع النفايات الصادرة من مختلف الأنشطة الحضرية (سكان، تجهيزات، صناعة، نقل...) في مواضع مكشوفة داخل النسيج الحضري .
كل ذلك يستدعي إعادة التفكير في حل مشكل النفايات الصلبة المطروحة على مستوى المجال الحضري من خلال تصور نظام تسيير و تقنيات معالجة تتلاءم و التطورات الحديثة بهدف المحافظة على توازن البيئة الحضرية و توطيد التنمية المستدامة.
في هذا الإطار تبرز مدينة المسيلة باِعتبارها نموذجًا يُساعد على فهم و إدراك نظام تسيير النفايات الصلبة و الإختلالات التي تعاني منها العملية و التقنيات المستعملة لمعالجتها و التخلص منها. لذا سنتطرق إلى تسيير النفايات الحضرية الصلبة في الواقع للوقوف على أهم الاختلالات الهيكلية و الوظيفية التي تعاني منها العملية على مستوى جميع المراحل وذلك من خلال تحليل خصائص مدينة المسيلة وتحديد إمكاناتها الاِقتصادية و الاِجتماعية.
. ننوه هنا أنه من بين التقنيات الحديثة للتعامل مع مشاكل المدن و بخاصة مشكل النفايات الحضرية نجد نظم المعلومات الجغرافية (GIS)؛هذه التقنيات سهلت كثيرا تعامل المختصين مع المشاكل الحضرية اليومية و ساعدت في عملية التسيير و التحكم في نمو المدن من جهة و في توفير إطار حياة أفضل للسكان من خلال إمكانية التدخل السريع و الدقيق لحل أية مشكلة (اتسيير النفايات الحضرية ، النقل الحضري، تحديد مستويات التلوث و طبيعتها ، ....).سنتطرق إلى توضيح تعدد جوانب مشكلة النفايات الحضرية الصلبة المطروحة من خلال تحليل خصائص المدينة و إمكاناتها الاِقتصادية و الاِجتماعية من اجل الوقوف على أهم الحلول الممكنة عمليا و اقتصاديا لحلها محاولين الخروج باقتراح منهج إجرائي عملي للوصول إلى تسيير أفضل .
1. تقديم مدينة المسيلة:الموقع و الحدود.
تمثل مدينة المسيلة حالة الدراسة، حيث هي عاصمة ولاية و بلدية المسيلة، تبعد عن البحر بمسافة 100 كلم، و ترتفع عن سطحه بـ : 460م، يمر بها طريقين وطنيين هما: الطريق الوطني رقم 40 الرابط بين ولاية برج بو عريريج وولاية الجلفة، و الطريق الوطني رقم 45 الرابط بين ولاية باتنة وولاية الجزائر العاصمة. كما أن لولاية المسيلة حدود مع 07 ولايات، الشيء الذي يعطي لمدينة المسيلة حركية خاصة، و مكانة استراتيجية معتبرة. و نظرا لموقعها الاستراتيجي هذا، سميت ببوابة الصحراء، و عاصمة الحضنة.
الشكل رقم 01 : موقع مدينة المسيلة
2. مدينة المسيلة : النشأة و التطور.
تعاقبت عليها عدة دول وشعوب، بدأ بالدولة الرومانية التي أنشأت مدينة زيبي جوستيانا، و التي تسمى حاليا بشيلقا (تبعد بحوالي 3 كلم عن مدينة المسيلة الحالية). و قد أنشأت مأخذ للمياه من واد القصب، وبجانبه نقطة للحراسة، تحولت بعد ذلك إلى حي. ثم أعقبتها فترة الحكم العربي الإسلامي، حيث أسس الحماديون على الضفة الشرقية لواد القصب ثلاث أحياء هم: رأس الحارة و شتاوة و خرب تليس، و التي كانت تمثل النواة الأولى لتأسيس مدينة المسيلة. ثم توسعت بعد ذلك بإضافة حي الجعافرة. ثم جاءت مرحلة الحكم التركي، التي تميزت ببناء القلاع العسكرية التي أسست مع حي الكراغلة(الكراغلة هم من كانوا من أب تركي و أم عربية)، الذي أزيل إثر الزلزال العنيف الذي ضرب المدينة في 1965م. و قد تميز تخطيط هاتين المرحلتين بالشوارع الضيقة (impasse) و الممرات المسدودة (cul de sac)، و سيطرة النسيج العضوي الذي يتميز بالكثافة العالية، و عدم استقامة الشوارع، لكننا نلمس شيء من التدرج فيها، ووجود ساحات بينية تلعب دور المتنفس لهذه الشوارع، لكن كان هذا الترتيب مناسبا لنوع الحركة التي كانت موجودة آنذاك، و التي كانت تقتصر على حركة المشاة فقط، استعمال الحيوانات في نقل البضائع و السلع.
يضاف إلى ذلك :
- المرحلة الاستعمارية التي تميزت بطورين هامين هما:
- المرحلة ما بين: 1840م و 1940م: جعلت المدينة آنذاك مقاطعة عسكرية، حيث بنيت فيها ثكنة عسكرية على الضفة الغربية لواد القصب، على مساحة 2.2 هكتار، و التي حولت بعد الاستقلال إلى مستشفى مدني، ثم إلى مستشفى للأمراض العقلية، ثم تم هدم جزء كبير منه حول إلى مركز تجاري. ثم أسس المستوطنون الذين كانوا ذوي أغلبية يهودية حيا على الضفة الشرقية لواد القصب، جنوب الطريق المؤدي إلى باتنة حاليا.
- المرحلة ما بين 1940م و 1962م: في هاته المرحلة أصبحت مدينة المسيلة مركزا إداريا. فأسس على الضفة الغربية لواد القصب حيي الكوش و العرقوب، اللذان عرفا توسعا سريعا نظرا لشدة وتيرة النزوح الريفي آنذاك، و خاصة أثناء الثورة التحريرية، و رغم المراقبة العسكرية الشديدة فقد أسس النازحون من الريف حي قصديري بجانب حي الجعافرة الذي كان نواة لتأسيس حي لاروكاد، كما ظهر أيضا حي النيلو في الشمال الغربي للمدينة، و الذي أزيل و استبدل بسكنات فردية فيما بعد الاستقلال. ونظرا للظروف الأمنية التي كانت تتسم بالصعوبة في هاتين المرحلتين، و تغير طريقة عيش السكان و مظهر الحياة، فقد ظهرت طريقة مخالفة في تخطيط المدينة، حيث ظهرت الشوارع الواسعة المستقيمة و المتعامدة،و ذلك لتسهيل مراقبة تنقل السكان من جهة، و لاحتواء الحركة التي ظهرت بمظهر ووتيرة مخالفين من جهة أخرى، و التي كانت حركة ميكانيكية تتطلب سرعة أعلى و مكانا أوسع.
- مرحلة الاستقلال التي تميزت بدورها بمرحلتين هما :
- مرحلة ما بين 1962م و 1974 م: أرادت السلطات البلدية القضاء على الأحياء القصديرية و الفوضوية، و شرعت في تطبيق مشروع البناء الذاتي، فكانت المنطقة الواقعة غرب الطريق المؤدي إلى برج بو عريريج أول منطقة توزع للمستفيدين. ثم تلتها أحياء أخرى مثل حي إشبيليا. و في الفاتح من جانفي سنة 1965م ضرب زلزالا عنيفا مدينة المسيلة، حيث أتى عدة أحياء مثل: الشواف، و الكراغلة...فكان لزاما على الدولة إعادة إسكان السكان المتظررين، فأنشأت حي 500 مسكن في الجهة الشمالية الغربية من المدينة، و الذي يسمى اليوم حي البدر أو الحي الجديد، و حي 300 مسكن في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة، و الذي يسمى اليوم بالحي الزاهر.و قد تميزت هذه المرحلة باستمرار نفس النوع من التخطيط، و بنفس الوتيرة و الشدة، و لم يحدث أي تغيير يذكر.
- مرحلة ما بعد 1974م: في جويلية 1974م، تم إدراج المسيلة ظمن قائمة الولايات، فاستفادت من برنامج تنموي واسع، فأسست المنطقة الصناعية في الناحية الجنوبية من المدينة، بجانب الطريق الوطني رقم: 45. ثم تم بناء المناطق السكنية الحضرية الجديدة في الجهة الغربية للمدينة، و في مطلع الثمانينيات تغيرت السياسة العمرانية للجزائر، حيث بدأ التخلي عن المساكن الجماعية إلى المساكن الفردية، و كانت المسيلة ظمن هذه السياسة، فأنشأت الأحياء الفردية بدأ بحي 504 مسكن سنة 1982م، ثم ظهرت بعده عدة أحياء سكنية فردية مثل: حي 700 مسكن، الوحدة رقم: 1و2 . و قد تميزت هذه المرحلة بالتوسع السريع للمدينة، مما انجر عنه عدة تغييرات في نوعية التخطيط العام لها، فأخذت الشكل نصف الإشعاعي، و بدأت تظهر التجهيزات ذات التأثير الواسع، و احتدم الصراع بين النشاطات و الوظائف، فظهر توزيعها مظطربا و يفتقر إلى الكثير من التنظيم و التنسيق، و ذلك في رأينا راجع لشدة الطلب و سرعة التوسع الذي شهدته المدينة في هذه المرحلة. و من هنا بدأت تظهر المشاكل المتعلقة بالمرور و على رأسها اللاأمن المروري.
3. مدينة المسيلة : تطور مجالي كاشف لاختلال التوازن بين البنية التحتية و الإمكانات التسييرية .
اتسم التطور المجالي لمدينة المسيلة بالبطء الشديد في بداية تأسيسها، ثم ما لبث أن عرف انفجارا شديدا، خاصة بعد الاستقلال و بعد إدراج المسيلة ضمن قائمة الولايات في سنة 1974م. لكن ما قابل هذا الانفجار المجالي السريع و الشديد إمكانات تسييرية( مادية و بشرية)ضعيفة لا تستطيع التحكم في تلبية احتياجات هذا النمو المجالي المكثف و تسيير المدينة بجميع مرافقها و قطاعاتها . و مع مرور الوقت أدت إلى فقدان المصالح المختصة السيطرة على نمو المدينة ؛و خاصة النفايات الحضرية ؛ التي أصبح تسييرها لا يخضع لتصورات علمية بقدر ما يخضع لترتيبات سياسية و اجتماعية بحتة، نتج عنه مدينة تنمو بعدة سرعات (عدم تكافؤ بين النظام التسييري و النظام العمراني التنظيمي للمدينة)مما نتج عن:
- تشويه المظهر العمراني و انحطاط قيمته الجمالية و الفنية.
- إنتشار فوضوي للنفايات مما يِدي إلى جذب مختلف الحيوانات: كلاب، قطط و في بعض الحالات أبقار، ماعز و أغنام مما يضفي على المدينة طابع تريفها.
- إستهلاك أراضي زراعية و حضرية واسعة لغرض مفرغات فوضوية أو مفرغات عمومية للنفايات.
- تعـرض النفـايـات الحـضرية المتـراكمة في مواضع مكـشـوفـة إلى عـملـية تخمر و تفاعل،و منه تحرير غازات و أملاح التي تنتقل تدريجيا مع مياه الأمطار التي تذيبها و منه تلوث التربة،الماء و الهواء،و عليه أمكن تمييز نوعين من التلوث :
§ تلوث بيولوجي : ينتج من خلال الكائنات الحية المجهرية داخل النفايات و التي يمكن أن تنتقل عن طريق المياه الجارية أو الحيوانات : الكلاب،القطط...
§ تلوث كيميائي : ينتج من مواد غير مرغوب فيها و المتواجدة في المياه الساقطة عليها،حيث هناك إمكانية التلوث المائي خاصة بأيونات الصوديوم،الكالسيوم و الحديد الناتجة عن تحلل النفايات الحضرية.
- روائح كريهة ودخان ناتج عن حرق النفايات
- مياه الوديان التي تلقى بها مختلف النفايات الحضرية، تستعمل لسقي الأراضي الزراعية و هذا من شأنه أن يؤثر من جهة على صحة السكان من خلال المنتوجات الفلاحية، و على خصوبة الأراضي من جهة ثانية بواسطة المواد الكيميائية غير المرغوب فيها و الناتجة عن تحلل النفايات،حيث تزداد هذه الوضعية سوءًا خاصة في الفترات الرطبة و الحارة.
من خلال ماسبق ، يتبين لنا أن هناك تناقضا صارخا بين عملية تخطيط المدينة و عملية تسييرها و كأنها عمليتين منفصلتين زمانا و مجالا عوض أن تكونا متكاملتين.
4. مدينة المسيلة :إمكانات اِقتصادية-اِجتماعية هامة في مقابل إختلالات هيكلية و وظيفية خطيرة
اتسم توسع مدينة المسيلة بالغزارة الكبيرة، و السرعة الفائقة، وهو ينتمي إلى التوسع المستمر (extension continue) أو كما يسمى أيضا بالتوسع المتصل، إذ عرفت مدينة المسيلة منذ سنة 1974م انطلاقة كبيرة و سريعة في الإعمار، حيث توجه التوسع نحو الجهة الغربية و الشمالية الغربية، وذلك لأن الطبيعة القانونية في هذه المناطق ساعدت على التوسع (أملاك عمومية)، بينما الأراضي التي تقع في الجهة الشرقية لواد القصب فهي أراضي خاصة. مما ينتج عنه طرح لكميات كبيرة من النفايات الحضرية الصلبة و التي تضم مواد مختلفة (مواد عضوية، بلاستيك، ورق-كارتون، زجاج، معادن...)، لكن ما يلاحظ أن هذه النفايات توجه بعد جمعها إلى المفرغة العمومية مباشرة بدون معالجة مع أنه يمكن الاِستفادة من المواد المكونة لها في العديد من الميادين.
تنقسم مدينة المدينة إلى ثلاث مناطق وظيفية أساسية ، و يبين الجدول التالي بعض المعطيات الكمية.
جدول رقم: 04 . يعطي مساحات المناطق الوظيفية لمدينة المسيلة