موضوع: ليس من النصرة في شيء الخميس مارس 11, 2010 6:05 pm | |
|
|
فإن مما يبعث السرور في النفس ما نراه في حملة نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم من تفاعل كبير، وزخم عاطفي ضخم، وحراك في مجتمعات المسلمين، وكل ذلك وأكثر منه قليل في جانب نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليس من النصرة في شيء بعض المظاهر المصاحبة لذلك والتي منها:
أولا: أن يتسابق الناس في نشر رؤى منسوبة إلى مجاهيل تبشر الأمة أن نبيها صلى الله عليه وسلم راض عنها فيما عملت من نصرة وذب عن عرضه. ولئن كانت الرؤى الصالحة من مبشرات النبوة التي بقيت للأمة، فإن ذلك لا يعفينا من ضرورة التثبت فيما يرويه الناس من ذلك، والتي غالبا ما يكون منسوبا إلى مجهول، أو مما يتزيد فيه الرواة، فما آفة الأخبار إلا رواتها، وقد يكون ما رآه صاحب الرؤيا من حديث النفس، فيخيل إليه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، وأما حديث "من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي" فالمراد من رآني على صفتي التي أنا عليها، وليس المراد أن كل ما يخيل للنائم في منامه أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك.
ثم إن لدينا من نصوص الكتاب والسنة المبشرة بخير موعود لمن ذب عن عرضه صلى الله عليه وسلم ونصرَ سنتَه ما يغنينا ويشفي نفوسنا ويحدو أرواحنا للاستباق لهذا الشرف العظيم، فحسبنا أن نحث الناس على نصرة نبيهم وسنته بتلك النصوص المبثوثة في الكتاب والسنة الصحيحة.
ثانيا: أن يتسابق الغيورون على عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم على نشر أخبار غير موثقة، مثل المجازفة بذكر أرقام مبالغ فيها لخسائر المقاطعة، ومنها ما أشيع بين الناس هذه الأيام من أن أحد الرسامين الذين صوروا النبي صلى الله عليه وسلم في رسوم ساخرة قد وجد جثة محترقة بجوار الصحيفة الناشرة لتلك الرسوم، وأن وسائل الإعلام في الدانمارك قد تكتمت على الخبر خوف الفضيحة! وليت المسارعين في نشر هذه الشائعة تساءلوا قبل نشرها: إذا كانت وسائل الإعلام هنالك قد تكتمت على نشر الخبر فأنى لهم العلم به؟!! ومن هذا الذي عَلِمَه فأذاعه في الناس حتى بلغنا؟!
إن حث المسلمين على نصرة نبيهم وإفراحَهم بما يأملونه من ثمار حملتهم على الساخرين بحبيبهم صلى الله عليه وسلم عمل مشروع ولا شك، بيد أنه لا يجوز أن يكون بالكذب، ولا بترك التثبت والتبين في رواية الغرائب من الأخبار، وإن ما يعتمل في صدورنا من لواعج الغيرة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ينبغي ألا يدفعنا إلى أن نفرط في رواية الأخبار دون تثبت واستيثاق، ولا إلى أن نتخلى عن المنهج الشرعي في تلقي الأخبار وبثها، فحسن المقصد لا يشفع لشيء من هذا مطلقا.
ثالثا: ليس من النصرة في شيء مبادأة أحد بالاعتداء وتحريضه على معركة الطرفان فيها خاسران؛ فاختراق مواقع صحف ومجلات لم تصدر منها بنبينا سخريةٌ وتدميرها عملٌ لا يكشف شبهة ولا يذب عن عرض، وإنما يحرضها هي الأخرى على سب الرسول والنيل منه، وينقلها من حِيادها إلى مصافة المعتدي في موقفه، ويحرض سفهاءهم على تدمير مواقعنا الإلكترونية النافعة، والتي خسارتنا بتدميرها أعظم من خسارتهم هم بتدمير مواقع صحفهم ومنتدياتهم.
لقد نهانا القرآن أن نعتدي في الاقتصاص من المعتدي، فكيف بابتداء الاعتداء؟! لا شك أنه أقبح وأولى بالنهي... نذكر بهذا الحكم المتقرر في عقل كل مسلم ونحن نرى معركة إلكترونية على شبكة الإنترنت ابتدأها بعض الغيورين هداهم الله باستهداف بعض الصحف الدانماركية بالاختراق والتدمير، وفي هذا العمل الشائن عدة ملحوظات:
1ـ أنه اعتداء على مَن لم يقع منه اعتداءٌ، وفي هذا مخالفة لآداب القرآن، لا يشفع لها قدْر ما بلغه حب الحبيب صلى الله عليه وسلم في قلوبنا.
2ـ أن هذا الفعل بمثابة الشاهد الذي يثبت التهمة في أتْباع النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم همج إرهابيون مفسدون لا يعرفون إلا الإفساد والتدمير.
3ـ أن اللجوء إلى هذه المواجهة البعيدة عن التعقل وأسلوب المحاجة بالحجة والبرهان قد يوهم العدو وغيرَه ممن هو على ملته ولم يرتكب خطيئته أننا لا نملك في الدفاع عن شخصية نبينا صلى الله عليه وسلم حجة ولا برهانا يبرئه مما هو متهم به في أنظارهم.
4ـ كان من الممكن تحييد هذه الصحف التي قصدت بالاختراق والتدمير، وجعلها وسيلة ضغط على الصحيفة الناشرة للرسوم الساخرة لإلجائها إلى الاعتذار حماية لاقتصادهم من آثار حملة المقاطعة، فإذا نحن وسعنا دائرة المواجهة لوسائل الإعلام الدانماركي كلها -من غير تفريق بين الفاعل والغافل- فإن ما نبغيه منهم يصبح أملا بعيدا، كان لأيدينا إسهام في ذلك ولو بطريق غير مباشر.
5ـ كون الغير يسفل ويتواقح في عداوته وكراهيته لنا لا يجعلنا في حِل أن نسفل سفوله، ولا أن نتخلى عما يليق بنا وما عرف عنا من التزام لمنهج العدل وتحَل بالأخلاق الفاضلة في كل شعاب. إن اللجوء إلى هذه الأساليب في المواجه أمر يستطيعه كل أحد، وقد يكون أقدر الناس عليه مَن هو أضعفهم في الحجة والبرهان.
6ـ لا يصح أن يقاس اختراق مواقع صحفهم الإلكترونية التي لم تقع منها سخرية ولا استهزاء بنبينا صلى الله عليه وسلم على حملة المقاطعة لسلعهم كلها مع أننا نقاطع شركات لم يقع منها من ذلك شيءٌ، وهو قياس فاسد؛ لأن المقاطعة الاقتصادية ليس فيها اعتداء، وغاية ما فيها أنها تمنّعٌ عن الشراء، وهذا ليس من الاعتداء في شيء، بخلاف اختراقِ المواقع وتدميرها، فهو اعتداء صريح لمن لم يقع منه اعتداء .
رابعا: ليس من النصرة في شيء أن نجود بأموالنا لكل من يدعونا إلى مشروع دعوي في تعريف الغير بالإسلام وبنبيه الكريم وفي كشف ما يثار حوله من شبهات من غير أن نتوثق من صاحب المشروع والجهة المشرفة عليه، ومن غير أن نتبين المضمونَ المراد نشره، ومن يزكي ذلك من أهل العلم، وإن من التفريط والسذاجة أن نحول صدقاتنا إلى جهات مجهولة تزعم النصرة وهي في الحقيقة تستأكل بها وتستغل حمْلَتَها.
ولكي نقطع الطريق على كل طامع يستغل عاطفة الناس في هذا الباب ويستدر أموالهم باستغلال عاطفتهم فإن علينا ألا نضع صدقاتنا إلا في حسابات مؤسسات خيرية رسمية أو في أيدي شخصيات معروفة مزكاة.
[/td][/tr][tr][td width="100%"][/td][/tr][tr][td class=authorProfile width="100%"]عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود السعودية.[/td][/tr]
|