يرى كلّ المؤلفين العرب الذين كتبوا في الأدب المقارن أنّ هذا العلم هامّ، بل خطير جدّاً. ولكن قلّ أن نجح أحد من هؤلاء في أن يقنع الناس بأهميّة هذا العلم أو خطورته. فالدكتور محمد غنيمي هلال، وهو أبرز أعلام المقارنية العربية، صاحب كتاب لم يحظَ مؤلَّف مقارني آخر بما حظي به من سعة انتشار وتأثير، يعلن في كتابه هذا أنّ الأدب المقارن قد صار “علماً من علوم الآداب الحديثة، أخطرها شأناً، وأعظمها جدوى” (1) . كما ينسب الدكتور هلال إلى الأدب المقارن رسالة “خطيرة الشأن”، تجعل من التوسّع في دراسته” حاجة ماسّة” (2) . تُرى ماهي الأهمية التي يتمتّع بها الأدب المقارن، وما كنه “الرسالة الخطيرة” التي تُنسب إليه؟ وهل هي رسالة خطيرة حقّاً، أم انساق الدكتور هلال وراء لهجة خطابية، ومارس تهويلاً له فيه مصلحة مهنيّة غير خافية على أحد؟
الطموح الكبير
في محاولة لتوضيح أهمية الأدب بالنسبة للوطن العربي يلاحظ الدكتور هلال أنّ تزايد الاهتمام بالدراسات المقارنة في الجامعات العربية منذ مطلع الستينات “يدلّ دلالة قاطعة على أننا بدأنا نستجيب إلى نداء الوعي القومي العربي الحديث الذي لم يكن أقوى مما هو عليه اليوم، وقد أخذ يبحث في شتّى ميادين الحياة العلمية والفنيّة عما يدعمه”(3) . فأهمية الأدب المقارن تنبع إذاً، في رأي الدكتور هلال بالطبع، من أنّ هذا العلم يدعم وعينا القوميّ، و “يغذي شخصيتنا القومية”. ذلك هو الشق الأول من رسالة الأدب المقارن، كما يراها الدكتور هلال. أمّا الشق الثاني من تلك الرسالة فيتمثّل في “الكشف عن أصالة الروح القومية في صلتها بالروح الإنسانية العامّة، وذلك لأنّ تقويم الأدب القومي تقويماً سليماً هو أمر غير ممكن إلاّ بالنظر إليه في نسبته إلى التراث الأدب الإنساني جملة” (4) . ولكن إذا دققنا في هذا القول نجد أنّ ما يدعوه الدكتور هلال “رسالة إنسانية” هو في واقع الأمر رسالة قومية. فالكشف “عن أصالة الروح القومية” هو غاية قومية بلا ريب، وليس غاية إنسانية، اللهمّ إلاّ إذا وضعنا علامة تساوٍ بين القوميّ والإنساني، واعتبرنا الكلمة الثانية مرادفة للأولى، وهذا ما لا يقبل به أحد، ولا الدكتور هلال نفسه. ولذا يمكننا القول إنّ الدكتور هلال ينوط بالأدب المقارن رسالة قومية بالدرجة الأولى، وأنّ الرسالة الإنسانية التي يتحدّث عنها لا تتعدى كونها وسيلة تخدم الرسالة القومية.
فكيف يؤدي الأدب المقارن رسالته في تدعيم الوعي القومي وتغذية الشخصية القومية؟ لا يقدّم الدكتور هلال إجابة موحّدة واضحة ومقنعة عن هذا السؤال. فهو يرى تارة أنّ “أقوى وسيلة لدعم نداء الوعي القومي هي أن يتصل بالتيارات الفكرية والفنية العالمية اتصالاً يغذي به أصالته ويواصل سيره في مجالات التطوير والتجديد” (5) . ولكن من الأفضل لنا أن نستبدل هنا عبارة “وعي قومي” بعبارة “أدب قومي”، لأنّ الأدب هو ما يتجدد عبر اتصاله بالتيارات الفكرية والفنية العالمية. وعلى أيّة حال فإنّ الدكتور هلال مايلبث أن يتحدّث عن أدوار قومية أخرى للأدب المقارن، مثل “إظهار مقوّمات قوميتنا في الحاضر”، وتوضيح “مدى امتداد جهودنا الفنية والفكرية في التراث الأدبيّ العالميّ” وجلاء “نواحي الأصالة في الأدب القوميّ”. (6)
مما تقدّم نستنتج:
1- أنّ الدكتور هلال يسعى لإيكال دور هامّ ورسالة خطيرة إلى الأدب المقارن.
2- أنه لم يحدّد تلك الرسالة بالدّقة المطلوبة، بل تحدّث عنها بطريقة فيها كثير من المبالغة، وذلك بغرض إثارة الاهتمام بالأدب المقارن.
3- أنّ هذه الرسالة ذات جوهر قوميّ بالدرجة الأولى. ويبدو أنّ تحديد طبيعة تلك الرسالة على هذا الشكل يرجع إلى أسباب عديدة، من أبرزها تأثر الدكتور هلال بالمدّ القومي الذي عمّ الوطن العربيّ في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، أي الفترة التي أعدّ فيها الدكتور هلال الطبعتين الثانية والثالثة من كتابه “الأدب المقارن”، ورغبة المؤلف في إظهار الأدب المقارن في مظهر علم يماشي ذلك المدّ ويخدمه. فمن الملاحظ أنّ الدكتور هلال لم يؤكّد قومية رسالة الأدب القومي في مقدمة الطبعة الأولى التي ترجع إلى عام 1953، بل في مقدمة الطبعة الثالثة التي ترجع إلى عام 1962.
على أية حال فإنّ الرسالة الخطيرة التي نسبها الدكتور هلال إلى الأدب المقارن لم تمنعه من أن ينسب إلى هذا العلم رسالة ليست على هذه الدرجة من الخطورة، وإن كانت أقرب إلى طبيعته وإمكاناته الواقعية. وتتمثل هذه الرسالة في إغناء النقد الأدبي والدرسات الأدبية. فالأدب المقارن، في رأي الدكتور هلال، مهمّ في الدراسات الأدبية، وضروريّ للنقد الحديث لأنه ” مكمّل لتاريخ الأدب وأساس جديد للدراسات النقدية”، وهذا مامنحه ” أهمية لاتقل عن أهمية النقد الحديث، بل أصبحت نتائج بحوثه عماد الأدب والنقد الحديث معاً.. حتى ليسمّى النقد الحديث النقد المقارن، إشارة إلى أهمية البحوث المقارنة في جلاء جوانبه واستكمالها” (7) . وهنا أيضاً يلاحظ أنّ الدكتور هلال يبالغ ويهوّل، وذلك لغرض ليس من الصعب تبيّنه.
إنّ ما يجعل الأدب المقارن “جوهرياً” لتاريخ الأدب والنقد بمعناهما الحديث، هو في رأي الدكتور هلال، أنه “يكشف عن مصادر التيارات الفنية والفكرية للأدب القوميّ”، وعن “جوانب تأثر الكتّاب في الأدب القوميّ بالآداب العالمية”(
، مما يعود بالفائدة على الأدب القوميّ، وذلك من نواح عدّة:
1- فالأدب المقارن يكشف عن جوانب وخصائص الأصالة في الأدب القوميّ.(9)
2- وهو يتتبع حسن إفادة الكتاب والنقاد من الآداب العالمية في إغناء الأدب القومي.
3- وهو يوجّه حركات التجديد في الأدب القوميّ “توجيهاً رشيداً على هدى ما تسير عليه الآداب العالمية”.
قد يتساءل المرء هنا: ما الأهمية المعرفية لما يقوم به الأدب المقارن من كشف عن مصادر التيارات الفنيّة والفكريّة في الأدب القوميّ؟ وهل الوقوف على جوانب الأصالة في الأدب القوميّ مهمّ إلى هذه الدرجة؟ وهل بوسع الأدب المقارن أن يوجّه حركة التجديد في الأدب القوميّ “وجهة رشيدة”، كما يقول الدكتور هلال؟ وما هذه الوجهة؟ وما أدرانا أنها رشيدة؟ فيما يخصّ السؤال الأول فإنّ الإجابة عنه تتوقف على الأهمية التي يوليها المرء لمسألة الأصالة في الأدب. فمن النقاد، مثل الدكتور محمد مندور، من يعتبرها سمة أساسية لكلّ أدب جيّد (10) ، وهناك بالمقابل نقاد وأدباء لا يولونها كبير أهمية (11) . وهكذا فإنّ تقدير أهمية الدور الذي يقوم به الأدب المقارن على هذا الصعيد يتوقف على موقفنا من مسألة الأصالة ومفهومها الشديد الإشكالية. أمّا فيما يخصّ دور الأدب المقارن في توجيه حركة التجديد في أدبنا القومي، أو أيّ أدب قومي آخر، توجيهاً رشيداً، فإنّ أحداً لايستطيع أن يمنع المقارنين من أن يطمحوا إلى القيام بدور كهذا، ولكن ربما كان من المفيد في هذا السياق أن نذكّرهم بأنّ الطموح شيء، وتحقيق ذلك الطموح عملياً شيء آخر. وفي رأينا فإنّ الفرص المتاحة للأدب المقارن ليحقق طموحه في توجيه حركة التجديد في الأدب القوميّ ليست أكبر ولا أصغر من الفرص المتاحة للدراسات الأدبية والنقد الأدبي بوجه عامّ في توجيه حركة الإنتاج الأدبيّ. فإلى أيّ مدى يسمح الأدباء للنقاد والباحثين بأن يوجّهوهم وجهة يعتبرونها “رشيدة”؟ وهل الوجهة الرشيدة في نظر الناقد أو الباحث هي وجهة رشيدة في نظر المنتج الأدبي أيضاً؟ وفي كلّ الأحوال فإنّ طموح النقد الأدبيّ إلى توجيه الحركة الأدبية طموح مشروع، وبلا هذا الطموح يفقد النقد مسوّغاً رئيسياً من مسوّغات وجوده.(12)
مفهومات الأدب المقارن
ويرتبط التوجّه القوميّ في فهم دور الأدب المقارن ورسالته ارتباطاً وثيقاً بفهم الدكتور هلال لماهيّة هذا العلم، أي ماهو الأدب المقارن، وما هي مجالات بحوثه وميادينه. فهو يعرّف الأدب المقارن قائلاً إنه “دراسة الأدب القوميّ في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجية عن نطاق اللغة القومية التي كُتب بها” (13) . وانطلاقاً من هذا التعريف فإنّ محور البحوث المقارنة ينبغي أن يكون “الأدب القوميّ في صلته بالآداب العالمية، وامتداده بالتأثير فيها وإغنائها أو التأثر بها والغنى بسببها”. وهذا يعني أنّ الدكتور هلال ينطلق من الأدب القوميّ إلى “الآداب العالمية”، ليعود في نهاية الجولة المقارنية إلى نقطة الانطلاق، أيّ إلى الأدب القوميّ، من أجل أن يجلو نواحي الأصالة فيه. وبالمناسبة فإنّ الدكتور هلال يستخدم تعبير “الآداب العالمية” بمعنى “الآداب الأجنبية”، وهو استخدام غير سليم لهذا التعبير، وذلك لأنّ هناك أدباً عالمياً واحداً، يتكوّن من جملة الآداب القومية. وعلى أيّة حال إذا أردنا أن نعبّر عن مفهوم الدكتور هلال للأدب المقارن بكلمات أخرى نقول: إنه العلم الذي يدرس تأثر الأدب القوميّ بالآداب الأجنبية وتأثيره فيها.
وانطلاقاً من فهمه المتمركز حول الأدب القومي يحدد الدكتور هلال ما يدخل في ميدان الأدب المقارن وما لا يدخل فيه.ففيه تدخل “مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقّدة، في حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر، أيّاً كانت مظاهر التأثير والتأثر”. وبعبارة أخرى فإنّ ميدان الأدب المقارن ، في رأي الدكتور هلال، هو “الصلات الدولية بين مختلف الآداب” (14) ،فنيّة كانت هذه الصلات، كانتقال الأجناس الأدبية، أم مضمونيّة، كانتقال الموضوعات الأدبية والتيارات الفكرية.
وبحصره ميدان الأدب المقارن في العلاقات الأدبية الدولية، التي تتمّ من خلال التأثير والتأثر، يخرج الدكتور هلال من دائرة هذا العلم نوعين من المقارنات الأدبية: أولهما الموازنات التي تجري داخل أدب قوميّ واحد، كالموازنات المعروفة في النقد العربيّ بين جرير والفرزدق، وبين أبي تمام والبحتري، وبين المتنبي وأبي العلاء، وبين حافظ وشوقي. إنّ مقارنات كهذه من اختصاص مؤرخي الأدب القومي ونقاده، وبالتالي فهي “ليست من الأدب المقارن في شيء”(15) . وهذه مسألة لا يختلف حولها المقارنون. فميدان الأدب المقارن، باعتراف الجميع، هي الظواهر التي تتجاوز أدباً قومياً واحداً(16) . أمّا النوع الثاني من المقارنات التي لاتعني الأدب المقارن فهي تلك الموازنات التي تعقد بين كتّاب ينتمون إلى آداب قومية مختلفة، وذلك لمجرد وجود تشابه أو تقارب بينهم، ودون مايثبت أن بينهم علاقات تأثير أو تأثر من نوع ما، كأن نقارن بين أبي العلاء المعري والشاعر الإنكليزي ميلتون، صاحب “الفردوس المفقود”، أو بين أبي العلاء وفرانز كافكا، مثلما فعل طه حسين (17) . ترى لماذا لا تدخل مقارنات كهذه في ميدان الأدب المقارن، وفقاً للدكتور هلال؟ يردّ هذا المقارن على ذلك بالقول: إنّ الأدب المقارن لايدخل في حساباته “مجرد عرض نصوص أو حقائق تتصل بالأدب ونقده… دون أن يكون بينهما صلات، نتج عنها توالد أو تفاعل من أيّ نوع كان” (18) . فالأدب المقارن معنيّ “بشرح الحقائق عن طريق تاريخيّ، وكيفية انتقالها من لغة إلى أخرى، وصلة توالدها بعضها من بعض، والصفات العامّة التي احتفظت بها حين انتقلت من أدب إلى آخر، ثم الألوان الخاصة التي فقدتها أو اكتسبتها بذلك الانتقال” (19) . وما دام الأدب المقارن “لا يقتصر على عرض الحقائق بل يشرحها شرحاً تاريخياً مدعماً بالبراهين والنصوص من الآداب التي يدرسها” (20) ، فمن الطبيعيّ أن يستبعد من ميدانه كلّ المقارنات التي يمكن أن تجري بين ظواهر لم تقم بينها صلة تاريخية، وذلك لأنّ موازنات كهذه “لا تشرح شيئاً أو تبقى غامضة لا يوضحها تاريخ”. لذا فإنّ قيمتها، في رأي الدكتور هلال، لا تتجاوز من حيث ضآلتها قيمة “مجهود أستاذ في علم الأحياء ينفق وقته في شرح التقارب شكلاً ولوناً بين زهرة وحشرة”(21) .
يستند الدكتور هلال في قيامه بتضييق ميدان الأدب المقارن وتحويله إلى مجرّد نوع خاصّ جدّاً من التاريخ الأدبيّ، أيّ “تاريخ العلاقات الدولية”، إلى حجة أساسية مفادها أنّ الدراسات المقارنة ينبغي ألاّ تكتفي بعرض الحقائق، بل عليها أن تفسّرها تاريخياً. ومن الواضح أن الدكتور هلال ينطلق من فهم معيّن لما هو “تاريخي”، فهو يلحق بهذه اللفظة قوله: “مدعماً بالبراهين والنصوص من الآداب التي يدرسها”، وهذا يعني أنّ مفهوم الدكتور هلال “للتاريخي” حدا به لأن يحصره في الظواهر التي تقوم بينهما صلات سببية قابلة للإثبات بصورة ميدانية، أيّ بالوثائق والأدلّة (22) . ولكن من المفيد هنا التذكير بأنّ مفهوماً وضعياً إمبيرياً ضيّقاً للتاريخ كهذا المفهوم الذي أخذ به الدكتور هلال بصورة غير نقدية عن أساتذته الفرنسيين، ليس المفهوم الوحيد، وبالتالي فإنّ نمط المقارنات التي يدعو إليها الدكتور هلال ليس النمط الوحيد المشروع. فبوسع المرء أن يقارن بين ظواهر ثقافية تنتمي إلى مجتمعات مختلفة، لم تقم بينها صلات تاريخية من النوع الذي يشترطه الدكتور هلال كي تكون المقارنة مشروعة في نظره، ومن الممكن أن يكون لتلك الموازنات قيمة علمية تتجاوز قيمة الموازنة بين “زهرة وحشرة”. وفي هذه الحالة يكون مثل المقارن كمثل عالم الأحياء الذي يقارن أشكال ظهور الزهرة نفسها، أو الحشرة نفسها، في قارات مختلفة، مع مراعاة الفوارق الجوهرية بين الظواهر الثقافية والظواهر الطبيعية. وبالطبع إذا وُجدت صلات بين الظواهر الأدبية التي نقارن بينها فإننا لن نتجاهل تلك الصلات، بل سنوليها اهتماماً كبيراً، لكننا لن نتخلى عن المقارنة لمجرّد عدم توافر صلات كهذه. فالقسم الأكبر من المقارنين بات لا يرى في البرهنة على وجود علاقات تأثير وتأثر بين آداب قومية مختلفة هدفاً نهائياً للأدب المقارن. ولهذا فإنهم لم يعودوا مستعدين لأن يحصروا اهتمامهم ومقارناتهم في تلك العلاقات. إنّ ما يعني المقارنين هو تتبع ظاهرة أدبية معينة، فنية كانت أم مضمونية، في آداب قومية مختلفة، سواء وجدت بينها علاقات تأثير وتأثر أم لا. فدراسة ظهور جنس أو تيار أو أسلوب أدبي ما في آداب قومية متعددة، والكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين تلك الآداب فيما يتعلق بالظاهرة الأدبية المقارنة، مسألة مثيرة وذات قيمة معرفية كبيرة في الحالين: في حال توافر علاقة أدبية، وفي حال عدم توافرها. والأدب المقارن مطالب في كلّ الأحوال بتقديم تفسيرات مقنعة لما يثبته من أوجه تشابه واختلاف(23) .
وأخيراً فإنّ فهم الأدب المقارن على هذا الشكل هو فهم أكثر انسجاماً مع التسمية المصطلحية نفسها، أيّ “الأدب المقارن”. فالمفهوم نفسه لا يحصر المقارنات في الظواهر الأدبية التي تقوم بينها صلات تأثير وتأثر، بل يترك باب المقارنة مفتوحاً أمام كلّ الموازنات التي يمكن أن تجري بين ظواهر أدبية تنتمي لأكثر من أدب قومي، شريطة أن تكون هذه الموازنات مجدية وغير اعتباطية. والموازنات المجدية هي الموازنات ذات القيمة المعرفية الكبيرة، التي تساعدنا في فهم الظواهر الأدبية المقارنة وتفسيرها بصورة أفضل. ولا نظنّ أنّ أحداً يختلف مع الدكتور هلال حول ضرورة أن يبتعد الأدب المقارن عن المقارنات “التي لا تشرح شيئاً”، ولكن كيف يمكننا أن نجزم مسبقاً بأنّ المقارنة بين ظواهر أدبية تنتمي إلى آداب قومية مختلفة هي مقارنة عديمة الفائدة، لا لشيء إلاّ لأننا لم نتمكن من البرهنة بصورة تاريخية على وجود صلات تأثير وتأثر بين تلك الظواهر؟! إنّ مقارنات كهذه، كما برهن فيكتور جيرمونسكي ومقارنون آخرون نظرياً وتطبيقياً، يمكن أن تكون لها قيمة معرفية تفوق بكثير قيمة الموزانات المحصورة في نطاق ضيّق، التي يريد الدكتور هلال أن يقصر الأدب المقارن عليها دون مسوّغات نظرية أو تطبيقية مقنعة.
وما دمنا قد جعلنا القيمة المعرفية للمقارنة مسوغاً وحيداً لمشروعية تلك المقارنة، فمن الضروري أن نسأل أنفسنا: ما الفائدة من عقد المقارنات والموازنات بين الآداب القومية المختلفة؟ هل تنتهي تلك الفائدة عند “تبيّن ما هو قوميّ وما هو دخيل، وتبيّن أهمية اللقاح الأجنبيّ في إخصاب الأدب القوميّ وتكثير ثمراته”، كما يرى الدكتور هلال؟ (24) أم تتجاوز فوائد البحث المقارني الفائدة الآنفة الذكر، بحيث تساعدنا في فهم الظواهر الأدبية وتفسيرها بشكل أفضل، كما يرى مقارنون آخرون، من أمثال الروسيّ فيكتور جيرمونسكي والأمريكي هنري ريمارك؟ (25) إنه سؤال لم نترك لبساً في موقفنا منه.
ماذا نقارن؟ وكيف؟
ماذا نقارن؟ وهل نقصر المقارنة على الظواهر الأدبية التي تربطها صلات تأثير وتأثر، أم نوسّع دائرة المقارنة، بحيث تشمل أيضاً كلّ الظواهر الأدبية التي نرى فائدة من المقارنة بينها؟ تلك أسئلة تطرقنا إليها آنفاً وحددنا موقفنا منها بوضوح. أمّا السؤال الذي لم نتطرق إليه بعد فهو: كيف نقارن؟ فلا يكفي أن نعرف لماذا نقارن، وماذا نقارن، بل لابدّ لنا من أن نعرف كيف نمارس المقارنة، وهذا هو الجانب التطبيقي في الأدب المقارن. من الناحية المبدئية يتحدّد الجواب عن هذا السؤال على ضوء مفهومنا للأدب المقارن. فإذا نظرنا إليه كعلم “يدرس مواطن التلاقي بين الآداب”، فإنّ جهودنا ستنصبّ بالضرورة على حالات التأثير والتأثر بين أدب قومي وآداب قومية أخرى، حيث نقوم باستقصاء سبل ذلك التأثير وأشكاله من خلال المصادر والنصوص والوثائق الأدبية المختلفة، بهدف إثباته ، وتحديد نوعه ونتائجه الفكرية والفنية. وهذا هو السبيل الذي يفضي إلى تبيّن “ما هو قوميّ وما هو دخيل” في الأدب القومي(26) . أمّا إذا رفضنا أن نحصر الأدب المقارن في دراسة العلاقات الأدبية العالمية، وتبنينا مفهوماً لا يضع قيداً على المقارنة غير قيد الجدوى المعرفية، تختلف الظواهر الأدبية التي نتناولها بالبحث المقارني، وتختلف الطريقة التي نستخدمها في المقارنة، وتختلف بالتالي النتائج التي نتوصل إليها في نهاية الأمر. ولكن في كلّ الأحوال فإنّ المقارنين العرب قلّ أن قدّموا نماذج إجرائية يمكن للمرء أن يستخدمها في ممارسته المقارنية، وقلّ أن تصدّوا لمسألة: كيف نقارن؟ ولعلّهم عدّوا هذه المسألة بدهية وغنيّة عن الشرح، متوقعين ضمنياً أن يستخدم المقارن العربي ما توفره له علوم أدبه القومي من خبرات في مجال المقارنة، مثل المقارنة التي عرفها النقد الأدبي العربي، قديمه وحديثه. أمّا على الصعيد التطبيقي فإنّ معظم ما أنجزه المقارنون العرب من دراسات حتى الآن يدخل في باب بحوث التأثير والتأثر، التي ينصبّ فيها الجهد العلمي على إظهار أوجه التشابه أو التقابل أو التناظر بين أعمال أو شخصيات أدبية عربية وأخرى أجنبية، وعلى محاولة جلاء تلك الظواهر عن طريق البحث التاريخي. وقد شكّل هذا النوع من الأبحاث نسبة عالية من الأبحاث المقدمة إلى مؤتمرات “الرابطة العربية للأدب المقارن” (27) . أمّا المواضيع المحببة في دراسات التأثير والتأثر العربية فهي: تأثر دانتي بأبي العلاء المعري، وتأثر الآداب الأوروبية بقصص ألف ليلة وليلة، وتأثير الموشح الأندلسي في شعر التروبادور الأوروبي، وتأثر الأدب العربي الحديث بالآداب الأوروبية. ومن الملاحظ أنّ دراسة علاقات التأثير والتأثر بين الأدبين العربي والفارسي قد تراجعت بصورة واضحة لصالح دراسة العلاقات الأدبية بين العرب والأوروبيين. ولقد أبدينا في مداخلات متعددة قدمناها إلى المؤتمر الثاني للرابطة العربية للأدب المقارن اعتراضاً شديداً على دراسات التأثير التي تقدّم بها الزملاء، وبيّنا أنها تقوم على أساس نظريّ هشّ لم يعد مقبولاً، خصوصاً بعد أن قدّمت نظريتا التلقي والتناصّ تفسيراً أفضل لما تطلق عليه تسمية ظواهر التأثير والتأثر. فدراسات التأثير والتأثر تقلل من أصالة الأديب المتأثر، وتظهره في مظهر من يقلّد الأدباء الأجانب، إن لم يكن في مظهر من يمارس السرقة الأدبية، وذلك رغم محاولات أنصار هذا المنحى المقارني التخفيف من ذلك الانطباع بالتأكيد على أنّ “محور التأثير في الأدب أو الإفادة من الآداب الأخرى هو الأصالة”(28) . فمما لايمكن إنكاره حقيقة أنّ بحوث التأثير تعطي الجانب المتأثر دوراً سلبياً، إذ تضعه في موقف المنفعل لا الفاعل، طامسة بذلك دوره الإيجابيّ الخلاق.
وبالمقابل فهي تعطي الطرف الأدبي المؤثر دور الفاعل الإيجابي، رغم أنّ الصحيح في الواقع عكس ذلك. فالأديب المتأثر إبداعياً هو من ينتقي العمل الأدبي الذي يتأثر به، وهو الذي يستفيد إبداعياً من ذلك العمل بالصورة التي تلبّي حاجاته.لذلك فهو الذات لا الموضوع، الفاعل لا المنفعل في عملية التأثر الإبداعي، أو بالأصحّ: التلقي الخلاق المنتج. كذلك فإنّ الجري وراء أوجه التناظر بين الطرف المتأثر وبين الطرف الأدبي المؤثر يطمس أوجه الاختلاف والتباين الموجودة بينهما، ويحجب بالتالي أوجه التجديد والأصالة، ويظهر الأدب المتلقي في مظهر أدب تابع للآداب الأجنبية. فإذا كان الأدب المتلقي هو الأدب العربي فإنّ دراسات التأثير تنتهي إلى البرهنة على تبعيته للآداب الأوروبية، وتصبّ في التحليل النهائي في مصلحة “المركزية الأوروبية”. أمّا إذا كان الطرف المتأثر أدباً أوروبياً، وكان الطرف المؤثر هو الأدب العربي، كما هي الحال بالنسبة لقصص ألف ليلة وليلة والمقامة ورسالة الغفران والشعر الأندلسي، فإنّ دراسة حالات التأثير والتأثر توظّف لصالح نزعة التبجّح القومي من خلال إظهار فضل العرب على الأوروبيين، وهي نزعة واسعة الانتشار، إطارها التاريخي هو الصراع بين الثقافة العربية المعرّضة للتغلغل وبين الثقافة الغربية المهيمنة(29) . ولذا فإنّ دراسات التأثير والتأثر لا تقدّم شيئاً ذا قيمة معرفية كبيرة، ولا تقدّم خدمة هامّة للأدب العربي أو للثقافة العربية، وذلك خلافاً لما يعتقده بعض المقارنين وعلى رأسهم الدكتور غنيمي هلال. ولهذه الأسباب أيضاً دعونا لأن يستعيض الأدب المقارن العربي عن أبحاث التأثير هذه بأبحاث تستند إلى نظرية التلقي الأدبي، ولا سيما التلقي الإبداعي المنتج، لأنها تقوم على أساس نظري أحدث وأسلم، ولأنها تعود على الأدب والثقافة العربيين بفائدة أكبر (30) . إنها لمفارقة كبيرة حقاً أن يتمسك قسم كبير من المقارنين العرب بمنحى التأثير والتأثر، وأن يكرسوا جهودهم لدراسة تأثر فلان من الأدباء العرب بفلان من الأدباء الأجانب، في وقت تخلّى فيه المقارنون الأوروبيون أنفسهم عن هذا النوع من الدراسات، وذلك بعد أن ظهرت مواضع الضعف النظريّ، واتضحت الخلفيات الإيديولوجية لاتجاه التأثير والتأثر في الأدب المقارن(31) .
ومهما يكن من أمر فإنّ الأدب المقارن في الوطن العربي، وبغضّ النظر عن المنحى الذي ينحوه، مازال مفتقراً إلى نماذج مقارنية ذات أسس نظرية واضحة، ومازال المقارنون العرب مطالبين بتقديم إجابات مقنعة عن سؤال: كيف نمارس المقارنة الأدبية تطبيقياً؟ فالبحوث التطبيقية التي أنجزها المقارنون العرب حتى الآن، مثل بحث “ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي”(32) ، لا تدلّ على وعي كاف لأهمية تطوير نماذج مقارنية قائمة على أسس نظرية واضحة.
واقع الأدب المقارن
وأخيراً لابدّ لنا من أن نطرح على الأدب المقارن العربي سؤالاً محرجاً، ألا وهو: ماذا قدّم هذا العلم حتى الآن للنقد الأدبي والدراسات الأدبية في الوطن العربي؟ ويؤسفنا أن يكون جوابنا عن هذا السؤال إنه لم يقدّم الشيء الكثير، ولم يتمكّن من أن يؤدي أكثر من جانب يسير من رسالته التي وصفها الدكتور هلال بالهامّة والخطيرة. فهو لم يتمكن من النهوض بالنقد الأدبي العربي وتوجيهه بالصورة التي طمح إليها الدكتور عبد النبي اصطيف (33) ، ولا تمكن من توجيه الأدب العربي الحديث “وجهة رشيدة”، وهذا ما طمح إليه الدكتور محمد غنيمي هلال. وجلّ ماقدّمه الأدب المقارن للنقد والأدب العربيين حتى الآن هو إلقاء الضوء على بعض جوانب علاقة هذا الأدب ببعض الآداب الأجنبية، ولا سيما الآداب الأوروبية والأدب الفارسي. ورغم كلّ مازعمه الدكتور هلال حول خطورة الأدب المقارن وأهميته، ظلّ هذا العلم في الوطن العربي ظاهرة هامشية، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها:
1- تأخر ظهور الأفكار المقارنية في النقد الأدبي العربي، وخلوّ النقد العربي القديم من تلك الأفكار بصورة شبه تامّة. فمن المعروف أنّ عقد الموازنات بين الأدب العربي والآداب الأجنبية لم يظهر إلاّ في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي على يد رواد عصر النهضة، ثم على يد نقاد أدبيين من أمثال روحي الخالدي وقسطاكي الحمصي(34) .
2- تبعيّة الأدب المقارن العربي الشديدة للمدرسة الفرنسية، وانسياقه وراء دراسة العلاقات الأدبية ومسائل التأثير والتأثر، التي استنفدت حتى الآن الجزء الأعظم من الجهود التطبيقية التي بذلها المقارنون العرب.
3- لا يدرّس الأدب المقارن في الجامعات العربية إلاّ على نطاق ضيّق، وذلك كمادّة مقررة ضمن دراسة اللغة العربية وآدابها، واللغتين الإنكليزية والفرنسية وآدابهما. ففي الجامعات السورية على سبيل المثال تدرّس مادة الأدب المقارن في السنة الدراسية الرابعة ولفصل دراسيّ واحد، حيث خُصّصت لها خمس ساعات أسبوعية، أربع منها للمحاضرة النظرية وساعة لحلقة البحث. ويدرّس مقرر الأدب المقارن، كغيره من المقررات الدراسية، بالأسلوب المدرسيّ المعروف، القائم على وجود منهاج وكتاب مقرّر ونمط معيّن من الامتحان، وهو أسلوب جعل دراسة الآداب في جامعاتنا دراسة ضئيلة المردود، تشجّع الطالب على الحفظ والاستظهار، بدلاً من أن تحفزه على ممارسة البحث العلمي بالاعتماد على النفس، وعلى التعامل الخلاق مع الأدب(35).أضف إلى ذلك ندرة الأستاذة المتخصصين فعلاً في الأدب المقارن، وإيكال تدريس هذه المادّة إلى أساتذة غير متخصصين. ومما ساهم في ضمور الأدب المقارن العربي عدم وجود دراسات عليا فيه، وعدم توافر معاهد أو أقسام خاصّة به في الجامعات العربية، على نمط ما هو شائع في جامعات الأقطار المتقدّمة (36) .
4- ضعف التواصل العلمي مع الأدب المقارن في العالم، والتأخر في استيعاب ما يستجدّ في العالم من اتجاهات نظرية وأبحاث تطبيقية، سواء من خلال الترجمة، أم من خلال عرض الإصدارات الهامّة وتلخيصها. وجلّ ماتمّ تعريبه حتى الآن هو بعض مؤلفات الفرنسيين فان تيغم وغويار وبرونيل وباجو، والأمريكيين ريماك وويلليك وليفين، والبريطاني براور (37) . وإذا استثنينا المدرسة المقارنية الفرنسية، التي لعبت بالنسبة للأدب المقارن العربي دور القابلة، فإنّ العرب لم يستوعبوا بصورة كافية أيّاً من المدارس المقارنية الحديثة، بما في ذلك ما يعرف بالمدرسة الأمريكية. وقد كان التقصير في تمثيل البحوث المقارنة في أقطار أوروبا الشرقية “المدرسة السلافية” وألمانيا شبه تام(38) . إنه تقصير لا يُغتفر ألاّ تستوعب الأوساط المقارنية العربية بصورة مناسبة مقارناً حظي بإجلال الأوساط المقارنية في العالم بأسره، ألا وهو المقارن الروسي الكبير فيكتور جيرمونسكي (39) . كما يتجلّى ضعف التفاعل بين المقارنين العرب والمقارنية العالمية في غياب عربي شبه تامّ عن المؤتمرات والندوات المقارنية الأجنبية، قطرية كانت أم إقليمية أم دولية، وفي مقدّمتها مؤتمرات الرابطة الدولية للأدب المقارن (AILC) التي قلّ أن يشارك فيها المقارنون العرب ويسجلوا حضوراً علمياً ملحوظاً للأدب المقارن العربي.
5- ضعف التواصل العلمي بين المقارنين العرب أنفسهم، وذلك لعدم وجود مجلة عربية متخصصة في الأدب المقارن، وندرة الندوات العلمية التي تقيمها الجامعات العربية في هذا المجال، وتعثر مسيرة الرابطة العربية للأدب المقارن، وعدم قيام جمعيات قطرية للأدب المقارن في معظم الأقطار العربية.
سبل النهوض
أمّا سبل النهوض بالأدب المقارن العربي فهي معروفة، وتتمثل في إزالة الأسباب التي أدّت إلى تعثر هذا العلم ومنعته من أن يؤدي رسالته الممكنة. وهذه السبل هي بإيجاز :
1- الارتقاء بتدريس الأدب المقارن في الجامعات العربية، سواء من خلال تطوير مناهج دراسته ضمن دراسة الأدب العربي والآداب الأجنبية، أم بإحداث معاهد خاصّة بالأدب المقارن في بعض الجامعات أسوة بما هو قائم في جامعات الأقطار المتقدّمة.
2- تكثيف استيعاب البحوث المقارنية العالمية، وذلك بترجمة المؤلفات الهامّة، أو بنشر ملخصّات لما جاء فيها على الأقل. ومن البدهيّ أنّ الأبحاث ليست بالضرورة تلك التي نشرت في كتب، بل قد تكون منشورة في مجلات اختصاصية. وغني عن الشرح أنّ مشاركة المقارنين العرب في المؤتمرات العلمية الدولية هي وجه أساسي من أوجه استيعاب ما يستجدّ في العالم على صعيد الأدب المقارن.
3- تقوية التفاعل العلمي بين المقارنين العرب، سواء على المستوى القومي، أم داخل كلّ قطر عربي بمفرده، وذلك بإقامة مزيد من الندوات العلمية والحلقات الدراسية حول المسائل النظرية والتطبيقية للأدب المقارن. وسواء أردنا تكثيف استيعاب البحوث المقارنية العالمية، أم أردنا تعميق التفاعل العلمي بين المقارنين العرب، فإننا بحاجة إلى منبر علمي أو دورية اختصاصية، تُنشر فيها البحوث المقارنة، وتُعرض الكتب، وتغطى النشاطات العلمية، إلى آخر ذلك من مهمات الدورية العلمية المتخصصة، التي لا نستطيع أن نتصور أن ينهض الأدب المقارن العربي دونها (40)
تلك هي أهمّ الشروط التي يمكن أن يؤدي توافرها إلى نهوض الأدب المقارن في الوطن العربي، وإلى تمكّنه من أن يؤدي دوراً ذا شأن في تطوير النقد الأدبي العربي، وتجعل تطلعه إلى توجيه الأدب العربي المعاصر “وجهة رشيدة”، على حدّ قول الدكتور هلال، تطلّعاً يمكن أن يُنظر إليه بجديّة. وفي رأينا فإنّ هذه المسائل ينبغي أن تكون في رأس جدول أعمال مؤتمرات “الرابطة العربية للأدب المقارن”، والجمعيات القطرية العربية للأدب المقارن… وتلك هي الطريق التي يمكن أن ترتقي بالأدب المقارن إلى مستوى الرسالة التي يطمح لأدائها.
r
r الهوامش:
(1) محمد غنيمي هلال (1987) ، ص8.
(2) المرجع نفسه، ص4.
(3) المرجع نفسه، ص آ.
(4) المرجع نفسه، ص ب.
(5) المرجع نفسه، ص آ.
(6) المرجع نفسه، الصفحتان ب و2.
(7) المرجع نفسه، ص18 ومايليها.
(
المرجع نفسه، ص10.
(9) المرجع نفسه، ص5.
(10) راجع: محمد مندور، (1973) ، ص164.
(11) من هؤلاء الأدباء الشاعر والكاتب المسرحي الألماني برتولد بريخت، الذي علّق على هذه المسألة بقوله: “إنني متهاون في أمور الملكية الفكرية “. أمّا الكاتب الفرنسي أندريه جيد فينسب إليه القول: “إنّ الأسد ليس أكثر من عدّة خراف مهضومة”.
(12) راجع مقالنا: لم النقد الأدبي؟ جريدة (العروبة) ، 7/3/1989. يطمح النقد الأدبي إلى ممارسة دور التوجيه حيال فئتين، أولاهما فئة منتجي الأدب من شعراء وكتّاب، والثانية فئة المتلقين.
(13) محمد غنيمي هلال (1987) ، ص6.
(14) المرجع نفسه، ص14 .
(15) لمزيد من التفصيلات حول تصور الدكتور هلال لميدان الأدب المقارن انظر المرجع نفسه، ص92- 102.
(16) المرجع نفسه، ص13.
(17) طه حسين (1970) .
(18) محمد غنيمي هلال، (1987) ، ص12.
(19) المرجع نفسه، ص13.
(20) المرجع نفسه، ص8.
(21) المرجع نفسه، ص13.
(22) راجع بهذا الخصوص، سعيد علوش (1987) ، ص208- 212.
(23) يرجع الفضل في تفسير أوجه التشابه بين ظواهر لا تربطها علاقات تأثير وتأثر إلى المقارن الروسي الكبير فيكتور جيرمونسكي، (راجع بهذا الخصوص:V.ZIRMUNSKI (1980)) ) ، ويشاركه ذلك التوجه أنصار “المدرسة الأمريكية” في الأدب المقارن والجيل الجديد من المقارنين الفرنسيين.
(24) محمد غنيمي هلال (1987) ، ص18.
(25) حسام الخطيب (1982) ، ج1، 2- 44- 47.
(26) راجع الأبحاث المقدمة إلى المؤتمر الثاني(تموز 1986) المنشورة في الأعداد الخاصة التالية من مجلات “المعرفة” (ع 295، أيلول 1986) و “الموقف الأدبي” (ع1986، تشرين الأول 1986) و “الآداب الأجنبية” (ع 51- 52، ربيع وصيف 1987) .
(28) محمد غنيمي هلال (1987) ، ص 106.
(29) على هذه الخلفية أمكن النجاح الكبير الذي حققه كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه “شمس العرب تسطع على الغرب” (1986) ، الذي رأى العرب أنه قد أنصف دورهم الحضاريّ.
(30) بخصوص مفهومي التأثير والتلقي راجع كتابنا (1992) ، ص 242 وما بعدها.
(31) بخصوص نقد بحوث التأثير والتأثر راجع: G.R.Kaiser (1980) S. 115- 155)
(32) محمد غنيمي هلال (1980) .
(33) عبد النبي اصطيف (1987) و (1998) .
(34) حسام الخطيب (1982) ، ص97- 133.
(35) راجع نقدنا لدراسة الأدب العربي الحديث في الجامعات السورية (1993) .
(36) راجع على سبيل المثال دليل الجمعية الألمانية للأدب المقارن DGAVL.
(37) لمزيد من المعلومات راجع الملحق البيبلوغرافي لكتاب سعيد علوش (1987) ،
ص 341- 342.
(38) بخصوص البحوث المقارنية في دول أوروبا الشرقية راجع سعيد علوش (1987) ، ص 127- 157، وكذلك:(G.R.Kaiser (Hg.) 1980) وفيما يتعلق بالدراسات المقارنية في ألمانيا راجع الفصل الخامس من القسم الأول في كتاب عز الدين المناصرة (1988) .
(39) يعدّ الدكتوران فؤاد المرعي وغسان مرتضى من التلاميذ العرب القلائل لفكتور جيرمونسكي، راجع بهذا الخصوص بحث فؤاد المرعي (1986) ، الذي أشار فيه إلى اعتماده “في بعض أسسه النظرية” على دراسات جيرمونسكي، ومقالة غسان مرتضى (1996) . ومن الجدير بالذكر أنّ الدكتور مرتضى يعكف على ترجمة مؤلف جيرمونسكي الرئيسي (علم الأدب المقارن) إلى العربية، وقد نشر ترجمة أحد فصوله في مجلة (الآداب الأجنبية) . راجع: فيكتور جيرمونسكي (1995).
(40) مجلات كهذه موجودة في معظم الأقطار المتقدمة، بل هناك أقطار كالولايات المتحدة الأمريكية تصدر فيها أكثر من مجلة للأدب المقارن. لمزيد من المعلومات حول المجلات والإصدارات المقارنية في العالم راجع:
H.Dyserinck .M. Fischer (Hg). (1985) .
r ثبت المراجع
- اصطيف، عبد النبي (1987) : دعوة إلى المنهج المقارن في دراسة الأدب العربي ونقده. (الآداب الأجنبية) ، ع51- 25، ربيع وصيف 1987، ص97- 116.
- نفسه، المنهج المقارن في الدراسة الأدبية. (الموقف الأدبي) ، ع321، كانون الثاني 1998، ص20- 33.
- جيرمونسكي، فيكتور (1995) : التيارات الأدبية بوصفها ظاهرة دولية. تر. غسان مرتضى. (الآداب الأجنبية) ، ع 83، صيف 1995، ص137- 174.
- الخطيب، حسام (1982) : الأدب المقارن. الجزء الأول: في النظرية والمنهج. جامعة دمشق.
- عبود، عبده (1986) : الأدب الألماني، دراسة استقبالية في الوطن العربي. (الآداب الأجنبية) ، العدد 48، السنة 13، صيف 1986، ص67- 89.
- نفسه، (1993) : دراسة الأدب العربي الحديث في جامعاتنا، أزمة عقليات أم أزمة هيكلية. (الموقف الأدبي) ، ع265، أيار 1993، ص 145- 136.
- نفسه (1992) : الأدب المقارن- مدخل نظري ودراسات تطبيقية. حمص: منشورات جامعة البعث.
- علوش، سعيد (1987) : مدارس الأدب المقارن، دراسة منهجية. بيروت: المركز الثقافي العربي.
- المرعي، فؤاد (1986) : في نظرية الأدب المقارن. (المعرفة) ، ع 295، س25، أيلول 1986، ص 149- 176.
- المناصرة، عز الدين (1988) : مقدمة في نظرية المقارنة. عمان: دار الكرمل.
- مندور، محمد (1973) : في الميزان الجديد، القاهرة، ط3.
- مرتضى، غسان (1996) : فيكتور جيرمونسكي والنظرية التيبولوجية في الأدب المقارن. في: (الأسبوع الأدبي) ، ع527، 7/5/1996.
- هلال، محمد غنيمي (1987) : الأدب المقارن. بيروت: دار العودة.
- هلال، محمد غنيمي (1980) : ليلى والمجنون في الأدبين العربي والفارسي. بيروت: دار العودة.
- هونكه، زيغريد (1986) : شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي. بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط8.
- Deutsche Gesellschaft fuer Allgemeine Und Vergleichende Literaturwissenschaft (DGAVL) : Mitteilungen.
- Dyserinck, Hugo /. Manfred S. Fischer (Hg.) (1985): Internationale Bibliographie zu Geschichte und Theorie der Komparatistik, Stuttgart.
- Kaiser, Gergard R. (1980) : Einfuehrung In die Vergleichende Literaturwissenschaft, Darmstadt.
- Kaiser, Gerhard R. (Hg). (1980(: Vergleichende Literaturforschung in Sozialistischen Laendern. Stuttgart.
- Zirmunski, Viktor (1980) : Ueber das Fach Vergleichende Literaturwissenschaft. In:G. R. Kaiser (Hg) (1980) .