- مدخل:
1-تعريف الصّوت: أ-
لغة
ب-اصطلاحا
2- فروع علم الأصوات: أ-علم
الأصوات الاكوستيكي
ب-علم الأصوات السّمعي
- الخلاصة
مدخل:
إن أساس الأصوات التي نسمعها
هي الأمواج التي تحدث في الهواء،والتي لا يُمكن الاستغناء عنها
1والصوت
في معناه العام هو طاقة يحس بها الإنسان نتيجة اهتزاز الأجسام المحدثة له،وانتقال
هذه الاهتزازات عبر وسط ناقل إلى أذن السامع ومنها إلى الجهاز الإدراكي،والصوت
يُمكن أن يكون صوت عام ناتج عن قرع أو قلع،أو صوت إنسان إما أن يكون لغوي أو غيرلغوي
2.
1- يراجع :مصطفى
حركات،الصوتيات والفونولوجيا،(ط:1 ،صيدا،بيروت،المكتبة العصرية،1997م.)،ص:15،14.
2-يراجع :أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند إخوان الصفاء،(ط:1 ،القاهرة،مطبعة
الأمانة،1991م.)،ص:82.
تعريف الصوت:1- لغة:- ورد في لسان العرب:"الجرس...وقد صات يصوت و يصات صوتا صوتا،واصات،و
صوّت به كلّه نادى"
1.- ورد في معجم العين:"...صوّت فلان بفلان تصويتا أي دعاه،وصات يصوت
صوتا فهو صائت بمعنى صائح،وكلّ ضرب من الأغنيات صوت من الأصوات"
2.
2- اصطلاحا:عند إبراهيم أنيس:"الأثر السمعي الذي تحدثه موجات ناشئة من اهتزاز جسم
ما"
3.
وقد أضاف يوسف خياط على تعريف إبراهيم أنيس ما يلي:"...طبيعيا كان أو
صناعيا عن قصد أو غير قصد"
4.
و بذلك فان هذا التعريف العلمي ينطبق على كل الأصوات الطبيعية و الصناعية
في الوجود، وعليه كان لابد من البحث عن مصطلحات خاصة تميّز الأصوات التي تدخل في
عملية التواصل اللغوي الإنساني عن غيرها.
يستعمل الناس إذن – في تواصلهم- أصوات لغوية وغير لغوية كالصفير والأنين و
غيرهما،وللتمييز بينهما؛اقترح العلماء اللغويين مصطلحات للصوت بمعنييه:
*العام:le
son =the sonde))
*و الصوت
بدلالته على الصوت البشري(la voix=the Voice)
5.
عرف إخوان الصفاء الصوت كظاهرة طبيعية من خلال
التعاريف التالية:
1-ابن منظور،لسان العرب،تح:عامر احمد حيدر،(ط:1 ،بيروت،دار
الكتب العلمية،2003م.)،ج2،ص:64.
2- الخليل بن احمد الفراهيدي ،العين،ترتيب وتح،د:عبد
الحميدهنداوي،(ط:1،بيروت-لبنان،دار الكتب العلمية،2003م.)،ج2،ص:421.
3- إبراهيم أنيس وآخرون،المعجم الوسيط ،(دط ،دار
الفكر،دت.)،ج1،ص:527.
4-يوسف خياط ،معجم المصطلحات العلمية والفنية،(دط
،بيروت دار لسان العرب دت.)ص:391.
5- عادل محلو،علم الأصوات بين القدامى والمحدثين،(ط:1
،الوادي –الجزائر،مطبعة مزوار،2008م. )،ص:391.
*يقول
إخوان الصفاء:"
وكلّ هذه الأصوات هي قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام و
ذلك إن الهواء لشدة لطافته وخفة جوهره و سرعة حركة الأجزاء يتخلل الأجسام كلّها،فإذا
صدم جسم جسما آخر انسل ذلك الهواء من بينهما،وتدافع وتموج إلى جميع الجهات وحدث من
حركته شكل كروي ة اتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج فيها،وكلّما اتسع ذلك
الشكل ضعفت حركته وتموّجه إلى أن يسكن ويضمحل"1.*كما نرى أن
الإخوان يُعرّفون الصوت بأنه
:"هواء يتقلب بين جسمين متصادمين بعنف فيصك
الهواء الرّاكد في آلة السّمع"2.
*كما
يُعرف إخوان الصفاء الصوت و كيفية حدوثه فيقولون:"
الصوت قرع يحدث في
الهواء إذا صدمت الأجسام بعضها بعضا فتحدث بين ذينك الجسمين (المصطدمين)حركة عرضية
تسمى صوتا"3.هذا التعريف
دقيق ينمّ عن دقّة ملاحظة الصفائيين و معظم التعريفات التي مُنحت للصوت كظاهرة
طبيعية فيزيائية،والتي ما تزال تُعطى له في أيامنا هذه لا تخرج عن إطار هذا
التعريف الدقيق الصفائي الذي جمع عناصر حدوث الصوت جمعا دقيقا.
تعدّدت تعار
يف الصوت من الناحية الاصطلاحية بين الباحثين والدّارسين،لكن كان في مجملها قريب
من تعار يف الإخوان و بدرجات متفاوتة نوعا ما.
*يعرّفه
أبو السعود احمد الفخراني بالمعنى العام كما يلي:"طاقة يحس بها الإنسان نتيجة
لاهتزاز الأجسام المحدثة له،و انتقال هذه الاهتزازات عبر وسط ناقل – هو الهواء
غالب- إلى أذن السامع ومنها إلى جهازه الإدراكي في المخ"
4.
وفي هذا
التعريف يتحدث من بداية حدوث الصوت إلى
غاية إدراكه سواء أكان طبيعيا أو كلاميا .
1- إخوان
الصفاء،الرسائل،تح،عارف تامر،(ط:1 ،بيروت،باريس،منشورات عويدات،1995م.)ج1،ص:199.
2- نفسه،ج3،ص:79.
3- نفسه،ج2،ص:311.
4- أبو
السعود احمد الفخراني،البحث اللغوي عند إخوان الصفاء،ص:82.
*الصوت
عند حسام البهنساوي:"يعد ظاهرة طبيعية،وهو يحتاج إلى تضافر مجموعة من العناصر
لكي يتم حدوثه،وهذه العناصر الفاعلة في حدوث الصوت هي:مصدر الصوت و انتقال الصوت و
استقبال الصوت"
1 ولاشك أن هذه العناصر الثلاثة
تتضافر من اجل إحداث الصوت وانتقاله من مصدره إلى مستقبله دون أن يتطرق إلى ذكر
إدراكه.
*الصوت
عند خوله طالب الإبراهيمي:"ظاهرة فيزيائية عامة الوجود في الطبيعة"
2نلاحظ
إنها لم تحدده لغوي أو غير لغوى فهو تعريف عام دون ذكر المصدر أو المستقبل أو غير
ذلك.
*الصوت
عند مصطفى حركات:"إن أساس الأصوات هي الأمواج التي تحدث في الهواء و التي لا
يُمكن الاستغناء عنها"
3 في هذا التعريف نراه يُركز على
الانتقال ولا يهتم بجهاز النطق ولا بسماعه ولا كيفية إدراكه
*الصوت
عند جوزيف فوندريس هو:"الأثر الواقع على الأذن مع بعض حركات ذبذبته للهواء
"
4 في هذا التعريف ذُكر الانتقال و كيفية وقوعه على الأذن –
السماع-.
*يُورد
خلدون أبو الهيجاء عدّة تعار يف للصوت من الناحية الفيزيائية و الفسيولوجية(النفسية):
ا-من
الناحية الفيزيائية:-
"الصوت اهتزازات ميكانيكية في أي وسط مادي (غاز، سائل، صلب)"
-"الصوت
سلسلة تتابعات سريعة من التضاغطات و التخلخلات المتتالية للهواء"
-
"الصوت هو طاقة التي تصل إلى الإذن من الخارج".
ب-الناحية
الفسيولوجية-النفسية-:فقد حدّد علماء النفس الفيزيولوجي
كلمة الصّوت كالآتي:
-"الصوت
خبرة حسية في الدماغ تنتقل إليه عبر الأعصاب السمعية للأذن"
1- حسام البهنساوي،علم الأصوات،(ط:1 ،مصر،مكتبة
الثقافة الدينية،2004م.)ص:9.
2- خوله طالب الإبراهيمي،مبادئ في اللسانيات،(دط
،الجزائر،دار القصبة للنشر،دت.)،ص:43.
3- مصطفى حركات،الصوتيات والفونولوجيا،ص:14
4- جوزيف
فوندريس،اللّغة، (دط،تع،: عبد الحميد الدّواخي ومحمّد القصّاص دت)،ص:43.
-"الصّوت
إحساس سمعي ناتج من دخول التتابعات السريعة من التضاغطات والتخلخلات المتتالية
الحادثة في الهواء إلى الأذن البشرية" .
-"الصوت
هو الإحساس السمعي ًAuDIORY SENSATIONZ" أي السمع"
1 نلاحظ
أن التعارف السابقة ركّزت على الجانب الفيزيائي أكثر من الجانب الفسيولوجي بينما
خلدون أبوالهجاء ركّز، على تعريف الصّوت من الناجيتين الفيزيائية والفسيولوجية .
*والصوت عند تمام حسان:"عملية حركية يقوم بها
الجهاز النطقي وتصحبها أثار سمعية معينة تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال
الصوت...ومركز استقباله..."
2.
أما الصوت عنده بالمعنى العام يشمل اللغوي و غير
اللغوي:"هو الأثر الذي به ذبذبة مستمرة مطّردة حتى ولم يكن مصدره جهازا صوتيا
حيّا،فما نسمعه من الآلات الموسيقية ...وكذلك الحس الإنساني..."
3.
من
خلال التعاريف السابقة للصوت نجد أنها ترتكز على ثلاثة
عناصر
وهي:
المصدر،الوسط،المستقبل،حيث
إن المصدر يكون عادة القرع أو التصادم اوالسقوط،إما الوسط غالبا ما يكون
الهواء،أما عن المستقبل هي أذن الإنسان في اغلب الأحيان وهذا باتفاق بين الإخوان و المحدثين في العناصر
الثلاثة من الناحية الفيزيائية.
لكن هناك
بعض الاختلافات،حيث نجد خلدون أبو الهيجاء إلى جانب الناحية الفيزيائية تناول
الجانب النفسي؛أما تعريف تمام حسّان في كتابه مناهج البحث اللغوي وعلى رأي محمد
أديوان إن هذا التعريف قريب من قول الصفائيين بان الصوت يحدث في الهواء
4.
وفي كل
الأحوال نجد أن تعاريف إخوان الصفاء والمحدثين وعلى رأسهم تمام حسّان فهي متقاربة
غير متباعدة.
1- خلدون
أبو الهيجاء،فيزياء الصوت اللغوي ووضوحه السمعي،(ط:1،اربد،الأردن،عالم الكتب
الحديث و عمان،الأردن ،جدار للكتاب العالمي،2006م.)،ص:4.
2- تمام
حسّان،اللغة العربية معناها ومبناها،(ط:5 ،القاهرة،عالم الكتب،2006م.)،ص:66.
3- تمام حسّان،مناهج البحث اللغوي،(دط ،القاهرة،مكتبة
الانجلو مصرية،1990م.)،ص:59.
4- محمد
أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي واللساني عند إخوان الصفاء،(ط:1 ،الرباط ،منشورات
دار الأمان،2006م.)،ص:(42.41).
فروع علم
الأصوات:لعلم
الأصوات عدّة فروع؛ولكن ما يهمّنا في هذا العرض هو علم الأصوات الاكوستيكي –الفيزيائي-
بالدرجة الأولى،إما بالدرجة الثانية علم الأصوات السّمعي.
ا- علم
الأصوات الاوكستيكي- الفيزيائي-:وظيفته النظر في الذبذبات الصوتية التي تستقبلها أذن
السامع وفي ميكانيكية الجهاز السّمعي ووظائفه عند استقبال هذه الذبذبات،وهي مرحلة
تقع في مجال علم وظائف أعضاء السمع،و سُمي هذا الفرع (علم الأصوات الاكوستيكي أو
الفيزيائي )لاعتماده بعض علوم الطبيعة (الفيزياء)
1 والآلات الحديثة تُنتج الأصوات انطلاقا من إشارات
كهربائية،فمن المنطقي كما يرى مصطفى حركات أن تكون هذه الدراسة هي المرجع
2.
ب-علم الأصوات السمعي:وهو احدث فروع علم الأصوات على الإطلاق،وقد عُني به
المتخصصون تخصصا دقيقا في فسيولوجيا الجهاز السّمعي،وعلم النفس الإدراكي؛وبعض اللغويين
يقتصر في دراسته على الناحية النفسية فقط،و يجعل ما يتصل بأعضاء السّمع و الذبذبات
من مباحث علم الأصوات الأكوستيكي
3.
ورغم أن
الرّديني أشار إلى إن علم الأصوات السمعي هو احدث فروع علم الأصوات على الإطلاق
إلا أن حلمي خليل وبعض المحدثين أضافوا ما يسمى بعلم الأصوات التجريبي ،حيث أن هذا
الأخير يدرس خصائص الأصوات اللغوية باستخدام الأجهزة والآلات الحديثة وغيرها من
أجهزة القياس لمعرفة الخصائص الصوتية للجهر أو الهمس وغيرهما من الملامح
الصوتية،ويطلق عليها أيضا علم الأصوات الآلي أو علم
الأصوات المعملي
4.
1- يراجع :عبد العزيز مطر،علم اللغة وفقه اللّغة،(ط:
1985،قطر،قطري بن الفجاءة.)،ص: (35.36).
2- يراجع:مصطفى حركات،الصوتيات و الفونولوجيا،ص:14.
3-يراجع: محمد
علي عبد الكريم الردّ يني ،(ط:1،بيروت،لبنان،عالم الكتب،2002م.)،ص:150.
4- يراجع:حلمي خليل ،مقدمة لدراسة علم اللغة ،(ط:
2003،الإسكندرية ،دار المعرفة الجامعية.)،ص:174.
الخلاصة: من خلال العرض السابق نستخلص بعض النتائج وهي:
-مفهوم
الصوت من الناحية الاصطلاحية يكاد يكون متقارب بين إخوان الصفاء والمحدثين وذلك من
خلال التركيز على الجانب الفيزيائي
-تطور علم
الأصوات تطورا ملحوظا إلى أن أصبحت له عدة فروع
-من
الدراسة الحديثة تبيّن أن علم الأصوات الاكوستيكي هو الدراسة المرجعية لعلم
الأصوات العام.
قائمة المصادر والمراجع 1-إبراهيم أنيس وآخرون ،المعجم
الوسيط،دط،دار القلم،دت.
2-ابن المنظور،لسان العرب ،تح
:عامر احمد حيدر،ط:1،بيروت،دار الكتب العلمية،2003م.
3-أبو السعود احمد الفخراني،البحث
عند إخوان الصفاء،ط:1 ،القاهرة،مطبعة الأمانة،1991م.
4-إخوان
الصفاء،رسائل،تح عارف تامر،ط:1 ،بيروت،باريس،منشورات
عويدات،1995م.
5-تمام
حسّان،اللغة العربية معناها ومبناها،ط:5 ،القاهرة،عالم
الكتب،2002م.
6-تمام حسّان،مناهج البحث
اللغوي،دط،القاهرة،مكتبة الانجلو مصرية،1990م.
7- جوزيف فوندريس،اللغة،تع،عبد الحميد الدّواخلي
ومحمد الفصاص، دط،دت
8-حسام البهنساوي،علم الأصوات،ط:1 ،مصر،مكتبة الثقافة
الدينية،2004م.
9-حلمي خليل،مقدمة لدراسة علم اللغة،ط:2003
،الإسكندرية،دار المعرفة الجامعية.
10-خلدون ابوالهيجاء،فيزياء الصوت اللغوي ووضحه
السّمعي،ط:1،اربد،
الأردن،عالم الكتب الحديث،وعمّان،الأردن،جدّار للكتاب
العلمي،2006م
11-الخليل
بن أحمد الفراهيدي،العين،ترتيب وتح،د:عبد الحميد هنداوي
ط:1،بيروت،لبنان،دار الكتب العلمية،2003م
12- خولة طالب الإبراهيمي،مبادئ
اللسانيات،دط،الجزائر،دار القصبة للنشر،دت.
13- عادل محلو،علم الأصوات بين القدامى والمحدثين،ط:1
،الوادي، الجزائر، مطبعة مزوار،2009م
14- عبد العزيز مطر،علم اللغة فقه اللغة،ط:1985 ،قطر،دار
قطري بن الفجاءة .
15- محمد
أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي واللساني عند إخوان
الصفاء،ط:1 ،الرباط ،منشورات دار الأمان،2008م
16- محمد
على عبد الكريم الرّديني،ط:1 بيروت،لبنان،عالم الكتب،
2002م.
17- مصطفي حركات،الصوتيات و الفونولوجيا،ط:1 بيروت ،
صيدا ، المكتبة العصرية ،1997م
18- يوسف خيّاط،معجم المصطلحات العلمية
والفنية،دط،بيروت،دار لسان العرب،دت.
إدراك الصوت العام بين إخوان الصفاء
والحدثين -
مدخل:
1-
إدراك الصوت العام بين إخوان الصفاء و المحدثين.
2-وسائل
الإدراك بين إخوان الصفاء والمحدثين:
ا- الحواس والدماغ.
ب- القلب.
ج- الجلد.
3-أهمية
السّمع في عملية الإدراك بين إخوان الصفاء والمحدثين.
4-
التمييز بين سماع الصوت وإدراكه بين إخوان الصفاء والمحدثين
5- علاقة الحاسة السامعة بما يبلغها مت أصوات بين
إخوان الصفاء و المحدثين.
-خلاصة
مدخل : إن لموضوع
الإدراك تاريخ طويل في الفكر الإنساني فقد كان موضع خلاف بين علماء النفس
والفلاسفة؛ وانقسم الفلاسفة بدورهم إلى مدرستين
كبيرتين:التجربيون والعقليون،فالأولى يعتمد أصحابها على
الحواس باعتبارها أساس المعرفة اليقينية،أما الثانية
لا يؤمن أصحابها بالحواس،وما فيها من خداع،ويعتبرون الإدراك العقلي هو أساس
المعرفة اليقينية.
أما علماء النفس يعتبرون الإدراك الحسي هو الموضوع
الأول في علم النفس التجريبي
الذي أسسه فونت
عام1876في ألمانيا(1)
يُطلق اصطلاح "الإدراك" على
العمليات العقلية التي نعرف بواسطتها العالم الخارجي،وحواسنا نوافذ التي نطل بها
على هذا العالم الزاخر بالأشياء والموضوعات(2)؛والإدراك
ليس مجرد عملية سلبية تتلخص في
مجرد استقبال انطباعات حسية(3)حيث
أن العقل يضيف أو يحذف ويُنظم ما يتأثر من انطباعات حسية و يعطيها اسما معيّنا(4)
أما
خطوات الإدراك هي؛الخطوة الأولى:المستوى الطبيعي:لأن ميدانها الحقيقي هو العالم
الخارجي،و الخطوة الثانية:هي مرحلة فسيولوجية التي تبدأ منذ استقبال الحس للمؤثر
ثم نقله إلى مراكز الإحساس في المخ من خلال الجهاز العصبي
(1):يراجع:جودت بني جابر وآخرون،المدخل إلى علم
النفس،(ط1،عمان،الأردن،مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع و الدار العلمية
الدولية،2002م)،ص:141
(2):يراجع
د):عبد الرحمان العيسوي،علم النفس
العام،(دط،القاهرة،دار المعرفة الجامعية،2002م)،ص:79-80
(3):يراجع
د):إبراهيم
محمد صالح،علم النفس اللغوي والمعرفي،(ط1،عمان،الأردن،دار البداية ناشرون و
موزعون،2006م)ص:48
(4):يراجع
د):عبد الرحمان العيسوي،علم النفس
العام،ص:81
الخطوة الثالثة:وهي مرحلة نفسية تتحول فيها الأحاسيس
السابقة ورموزها المختلفة إلى معان يمنحها إياها العقل(1)
أما العوامل المؤثرة في الإدراك؛إما
ذاتية ويكون مصدرها الذات التي تدرك من الميول والاهتمامات و المزاج و العواطف.أو
عوامل خارجية:وهي التي تخص الموضوع المدرك (2)
(1):يراجع:كامل محمد محمد عويضة،سيكولوجية
العقل البشري مراجعة أ.د محمد رجب البيومي(ط1،بيروت،لبنان،دار الكتب
العلمية،1996)،ص:148-149
(2):يراجع:جودت بني جابر و آخرون،المدخل إلى علم
النفس،ص:148-149
إدراك الصوت العام بين إخوان الصفاء والمحدثين: بعد أن تلتقط الحاسة السمعية الأصوات
على اختلاف مصادرها وأنواعها،تصل إلى المخ(1)على
شكل رسائل مرمّزة؛وهي عملية بنائية تحوّل الإشارات الكهربائية الواصلة إلى الدماغ
المدرك كلي،أي أن الدماغ يُترجم إحساسات لامعنى لها إلى مدركات ذات معنى(2)أي
أن الإدراك يسير من المجمل إلى المفصل(3)
استطاعت التقنية الحديثة قياس الشدّة و التردّ د وغيرها من الخصائص
الفيزيائية في الموجات الصوتية،كذلك قياس إدراك الصوت و يتحدد مجال إدراك الصوت
بالأذن البشرية،بين حد أدنى للتردد و يقدر حوالي:20ذ/ثا وبحد أعلى
للتردد:20000ذ/ثا.
و الأصوات التي يكون تردّدها اقل من الحد الأدنى
لاتدركها الأذن البشرية،والأصوات التي يكون تردّدها أعلى من الحد الأعلى لا
تميّزها الأذن؛مع تأثر مدى إدراك الصوت بالأذن بعوامل عديدة مثل المرض و الشيخوخة
و العوامل النفسية كالخوف الشديد ونحو ذلك،ويلعب السّمع دورا كبيرا في الإدراك(4)
يرى
كثيرا من العلماء أن عملية إدراك الأصوات هي عملية نفسية وميدانها الحقيقي عام
النفس(5)و هذا ما وُجد في القديم عند الفلاسفة وعلى رأسهم
إخوان الصفاء الذين هم موضوع دراستنا،حيث نجدهم ركّزوا على الجانب النفسي في
الأصوات،
(1):يراجع(د):أبو السعود احمد الفخراني،البحث اللغوي
عند إخوان الصفاء،(ط1،القاهرة،
مطبعة
الأمانة،1991م)،ص:105
(2):يراجع:أمل البكري و ناديا عجور،علم النفس
المدرسي،(ط1،الأردن،المعتز للنشر والتوزيع،2007م)،ص:110-111
(3):براجع:إبراهيم محمد صالح،علم النفس اللغوي و
المعرفي،ص:48
(4):يراجع(د):محمد محمد داود،العربية وعلم اللغة
الحديث،(دط،دار غريب للنشر و التوزيع،2001م)،ص:114
(5):يراجع(د):كمال بشر،علم
الأصوات،(ط2000،القاهرة،دار غريب)،ص:43
إذ نجدهم يسلّطون الضوء على دور الأصوات في التأثير
على الحالة النفسية للإنسان فهي إمّا تؤدي إلى اطمئنان أو الخوف،فهي إما أن تكون
أصوات رقيقة خفيفة على الأذن فتؤدي إلى الاطمئنان والطرب كأصوات الموسيقي مثلا أو
تكون غليظة ثقيلة على الأذن فتوحي بالخوف أوما يشابه من الأحاسيس النفسية (1)
وذلك من خلال قولهم
:"...وأيضا فان الإنسان يأنس بالأصوات الحية إذا كان في
فلوات بعيدة،في موضع منقطع عن العمران فيستوحش،فإذا سمع نباح الكلب أوصوت إنسان
استأنس وقوية نفسه،وعلم أنّه بقرب عمران،وبخلاف ذلك إذا سمع صوت الوحش يخاف منه
على نفسه،وأيضا صوت هبوب الرياح العواصف،وحريان الأودية وأمواج البحار،واهتزاز
الأشجار،ووقع الأحجار،إذا سمعها الإنسان الفريد الوحيد في المواضع النائية استوحش منها غاية الاستيحاش ولذلك قيل،إنّ في
الفلوات والقفار جبالا تنقطع وتنكسر وتُخِر فيسمع منها أصوات مرتفعة،فإذا سمع
الإنسان يستوحش ولا يأنس بها."(2)
من
خلال هذا القول نلاحظ أن إخوان الصفاء ركّزوا على الحالة النفسية للمستمع(الإنسان)
و ذلك حين تواجده في الصحاري باستماعه للأصوات المؤنسة فيسانس بها أو عكس ذلك فانه
يستوحش و ذلك راجع للحالة النفسية للإنسان ودرجة الخوف و الاطمئنان.
وعند
المحدثين إلى جانب الدراسة الإدراكية تدرس أيضا تلك المرحلة العضوية أو الفسيولوجية
المتمثلة في الذبذبات الصوتية التي تستقبلها الأذن،ومن ثم جرى العرُف عند غالبية
الدارسين المحدثين على النظر إليها تحت الاسم المشهور والمعروف " علم الأصوات
السمعي "أو ما يُسمى "علم الأصوات النفسي"فهم يرجحون الجانب
النفسي،
(1):يراجع محمد أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي
واللساني عند إخوان الصفاء،(ط1،الرباط،منشورات دار الأمان،2006م)،ص:76
(2):إخوان الصفاء،رسائل ،تح عارف تامر،(ط1،بيروت
،باريس ،منشورات عويدات،1995)،ص:103
على أساس
أن العملية النفسية هي ذات الأثر الواضح في سلوك السامع عند إدراكه للأصوات ،ومع
اجتماع علماء اللغة والأصوات من ناحية وعلماء النفس والمخ والأعصاب من ناحية أخرى
خطت تلك الدراسة خطوة أكيدة في الوقت الحاضر ولكّنها لم تضاهي مثيلاتها(علم
الأصوات النطقي وعلم الأصوات الفيزيائي)على الرغم من وجود صعوبات جمّة،ويرى بعض
الدّارسين احتواء هذا الفرع على عمليات نفسية معقّدة
لا تدخل في حقيقة الأمر في مجال البحث الغوي بمعناه الاصطلاحي،ومن بين الصعوبات
التي تعارض الباحث أو الدارس:
1- انتشار الموجة الصوتية على طبلة الأذن ووقع هذه
الموجات على أعضاء السّمع شيء لا يُمكن إدراكه إلا بواسطة أجهزة خاصة.
2- عملية السماع لا يُمكن التّحكم فيها،فليس الإنسان
بقادر على وقف هذه العملية و استئنافها حيث يشاء على عكس عملية النطق.
3-ما يجري في الجهاز السّمعي وكثير من أعضائه أشياء
بعيدة المنال بالنسبة للعين المجردة للباحث اللغوي أو غيره.(1)
إذا
كان المحدثون شبه عاجزين أو قاصرين على إعطاء تفسير تام لعملية الإدراك،نتسائل
أيمكن لإخوان الصفاء أن يقدّموا مالم يسمح به التطوّر العلمي في أوانه؟ونرضى منهم
في هذا الجانب بما اشروا إليه وتحدّثوا عنه لنقابله بما توصلت إليه احدث فروع
الدّراسة الصوتية(2)
(1):يراجع
د)كمال بشر،علم الأصوات،ص:44-45
(2):يراجع
د)أبو السعود احمد الفخراني،البحث اللغوي
عند إخوان الصفاء،ص:137
وسائل الإدراك بين إخوان الصفاء و
المحدثين:قد
تحدث الإخوان عن مراكز إدراك الأصوات في دماغ الإنسان اذنراهم يقولون أن أول مركز
يستقبل الأصوات بعد سماعها من خلال قولهم:"
طنين الأصوات لا يمكث في
المسامع زمانا طويلا إلا ريثما تأخذ القوة المتخيلة رسومها،تضمحل من المسامع تلك
الطنينات "
1.
أما موقع القوة المتخيلة فيحدّده الإخوان في
قولهم:"
أعلم أن كلّ صوت له نغمة وصيغة خلاف صوت آخر،و إن الهواء من شرف
جوهره و لطافة عنصره يحمل كل صوت بهيأته وصيغته و يحفظها لئلا يختلط بعضها
ببعض،فيفسد هيأتها إلى أن يبلغ إلى أقصى مدى غايتها عند القوة السامعة لتؤديه إلى
القوة المتخيلة التي مسكنها مقدم الدماغ."2 لقد أسهب الإخوان
في الحديث عن عملية الإدراك،وأكّدوا على العلاقة الوثيقة التي تربط الحواس الخمس
بالدماغ ومكوناته وتعاونهما في تلك العملية،كما رأوا أن للقلب دورا في هذه العملية
؛أما المحدثين فرأوا أن للجلد دور في ذلك،وسوف نبرز وسائل الإدراك عند الإنسان
بصفة عامة و باختصار
1-رسائل إخوان الصفاء،ج1،ص:208.
2-نفسه،ص:199.
أولا- الحواس والدماغ:تحدث
الاخوان عن الحواس والدماغ و ابتدأو بالحواس أولا:
فالنفس
الساكنة في الدماغ عشر قوى:منها خمس قوى تُدرك حضور المعلومات من خارج الجسد
وتُحملها إلى القوى الخمس الأخرى التي تُدرك روحانيا
1.*القوى الخمس الأولى: فيتوضح في قولهم
:"أعلم
أن الحواس هي آلات جسدا نية وهي خمس:العين،الأذن واللسان والأنف و اليد،وذلك أن
لكل واحد منها عضو من الجسد...بيان القوة الباصرة مجراها في العينين،...و القوة
الشامة مجراها في المنخرين...،و القوة اللامسة مجراها في عامة سطح البدن الحيوان
الرقيق الجلد، ولكنها في الإنسان أظهر و خاصة في الأنملة..."2 .
وعقد إخوان
الصفاء لكل حاسة من الحواس فصلا مستقلا مع توضيح كيفية إدراكها للمحسوسات أي علاقة
الحواس بالإدراك.
فيما يخص
علاقة الإحساس بالإدراك عند إخوان الصفاء؛نجد من المحدثين من تحدت عن هده
الفكرة و على رأسهم عبد الرحمان العيسوي وذلك من خلال الصلة الواقعة مباشرة بين
الإدراك و الإحساس لأن انعدام حاسة من الحواس يؤدي إلى انعدام موضوعاتها،فالإدراك
إذن يستمد مقوماته من الإحساس التي ينقلها الجهاز العصبي للمخ حيث
تتم عملية الادراك،و نرى كثير من الموضوعات التي ندرك معناها ونعرف وظائفها
وخصائصها،لكن في حالة الإحساس البصري لا يزيد عن مجرد موجات ضوئية ليس لها معنى في
حدّ ذاتها
3 1-يراجع
:أو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند إخوان الصفاء،ص:138.
2-رسائل
إخوان الصفاء،ج2،ص:308.
3-يراجع:عبد
الرحمان العيسوي،علم النفس العام،ص:87.
الفرق بين الإحساس و الإدراك
1 الإحساس
هو
الإدراك هو
استقبال
موجات
الإحساس مضافا إليه
وذبذبات ضوئية معنى الشيء
المدرك
كما
اهتم المحدثون بالحواس الخمس في عملية الإدراك.
إن الإحساس والإدراك للمؤثرات الخارجية يعتمد على
سلامة وكفاءة أجهزة الحواس الخمس و درجة استقبالها لهذه المؤثرات،وليس على الواقع
والحقيقة التي كثيرا ما تعجز الحواس عن التقاطها،ومن هنا يختلف عالم الحس بين
الحواس عند الإنسان
2.
و الحواس الخمس من لمس و ذوق و شم و إبصار وسمع
*،لقد
تحدث المحدثون عن كل حاسة بالشرح و التفصيل.
*القوى الخمس الثانية:التي تحدث عنها إخوان الصفاء،القوة المتخيلة التي مجراها مقدم
الدماغ و المفكرة أو العاقلة التي مجراها وسطه و الحافظة التي مجراها مؤخرته و
الناطقة المخبر عنها معاني مافي فكرها من العلوم و الحاجات و مجراها في الحلقوم و
اللسان...و تتعاون هذه القوى في تناولها صور المعلومات بعضها من بعض عقب وصولها
عبر القوى الخمس الأولى إلى القوة الميخيلة
3 حيث يُوضح الاخوان هذا
التعاون في قولهم
:"...وأما القوى الخمس الروحانية فإنها كالمتعاونات في إدراكها رسوم المعلومات
وذلك أن القوة المتخيلة،إذا تناولت رسوم المحسوسات 1-يراجع المرجع السابق،ص: 88.
2-يراجع:الزّين عبّاس عماره،مدخل إلى الطب
النفسي،(ط:1،بيروت،لبنان،دار الثقافة للنشر و التوزيع،1986م.)،ص:15.
*-لعرفة المزيد عن الحواس الخمس،راجع المرجع
نفسه،ص:(127.118)
3-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:141
كلّها،و قبلتها في ذاتها
كما يقبل الشمع نقش الفص،فإذا من شأنها أن تناولها كلّها إلى القوة المفكرة من
ساعتها،فإذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواس لها بقيت تلك الرسوم مصوّرة صورة
روحانية في ذاتها،كما يبقى نقش الفص في الشمع المختوم مصورا بصورة روحانية مجردة
عن هيولاها فيكون عند ذلك لها كالهيولى،وهي فيها كالصورة،ثم من شأن القوة المفكّرة
أن تنظر ذاتها وترى معانيها وتترو فيها وتميّزها وتبحث عن خواصها و منافعها و
مضارها ثم تؤديها إلى القوة الحافظة إلى وقت التذكار... ."1
ولمّا كانت القوة المتخيلة في مقدمة
الدماغ و بالتالي كان تأثرها بالحواس و
بتلك القوى الحساسة ،وقد أسهب الاخوان في الحديث عن تلك القوة المتخيلة؛ويعقدون في
الرسائل الخاصة بالآراء و الديانات في
العلم الناموسية الالـهيةالشرعية في بيان تلك القوة وعجائبها وفضائلها.
2 وفي
كيفية الوصول إلى القوة المتخيلة في مقدمة الدماغ فنجدهم يقولون:"
فنقول
انه ينشر من مقدم الدماغ عصبات لطيفة ليّنة تتصل بأصول الحواس،و تتفرق هناك وتنسج
في أجزاء جرم الدماغ كنسيج العنكبوت،فادا باشرت كيفية المحسوسات من أجل
الحواس،وتغير مزاج الحواس عندها،وغيّرتها عن كيفياتها،وصل ذلك التعبير في تلك
الأعصاب التي في مقدم الدماغ،والتي منشؤها من هناك كلّها،فتُجمع آثار المحسوسات
كلّها عند القوة المتخيلة،كما تجمع رسائل أصحاب الأخبار عند صاحب الخريطة،فيوصل
تلك الرسالة كلّها إلى حضرة الملك،ثم إن الملك يقرؤها ويفهم معانيها،يسلّمها إلى
خازنة ليحفظها...فكهذا حكم القوة المتخيلة إذا جمعت عند آثار هذه
المحسوسات...تؤديها إلى القوة الحافظة لتحفظها وقت التذكار."
3 1-رسائل إخوان الصفاء،ج2،ص:315.
2-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:142.
3-رسائل إخوان الصفاء،ج2،ص:(314.313).
نجد من
المحدثين من تحدث عن التخزين و الاسترجاع في وقت الحاجة وذلك من خلال مفهوم
الذّاكرة السمعية؛من المعلوم أن القناة الحسية السمعية تعمل على استقبال المثيرات
الحسية القادمة من الخارج عبر القناة السمعية إلى الذّاكرة السمعية ثم إلى الذاكرة
قصيرة المدى ثم الذاكرة طويلة المدى حيث يتم تخزينها ثم استرجاعها عند الحاجة
إليها.
أن الذاكرة السمعية ذات قدرة على التخزين و استرجاع
ما يسمعه الفرد من مثيرات يُمكن قياسها لملاحظة مدى فاعليتها من خلال الطلب إلى
الفرد بالقيام بعدّة أنشطة متتابعة في نفس الوقت ثم ملاحظة مدى آدائه على هذه الأنشطةفإذاتمت هذه الأنشطة فانه لايعاني من مشكلات في الذاكرة السمعية،في
حين كان خلف ذلك فانه يضطر وجود اضطرابات فيها.
1هذا من ناحية أما من ناحية علاقة الحواس الخمس
بالدماغ عند المحدثين نجد الزين عباس عماره في مدخل إلى الطب النفسي يُوضح ذلك من
خلال قوله:"الحواس الخمس...تعمل في تكامل وتناسق وانسجام لالتقاط وتحليل و
فرز المثيرات المتلاحقة و المتداخلة و المتنوعة و المعقّدة من التموجات والذبذبات
وهذه التموجات متفاوته من ناحية الطول والقصر والقوة والضعف الضعف"
2.
لهذا السبب ينتج
الإحساس بالفارق .
فالمنبه
الحسي هو مجرّد منشط للطاقة الداخلية والإحساس الكامن،ووظيفة الجهاز العصبي تحويل
هذا التنبيه إلى مثير ذي عتبة حسية
3 ومن
خلال هذه المقارنة،نجد كل من إخوان الصفاء والمحدثين متشابهين إلى حد بعيد يمكن أن
نقول أنهما متطابقان –بتحفظ- في علاقة الحواس بالدماغ من جهة والتخزين والاسترجاع
من جهة أخرى،وإذا كان هناك فرق يمكن أن يكون في المصطلحات لا في المضامين حيث نجد
المحدثين أعطوا لكل مفهوم مصطلح على خلاف إخوان
الصفاء مضامين من غير مصطلحات.
1-يراجع:أسامة محمد البطايلة وآخرون،صعوبات
التعلّم-النظرية والممارسة-(ط:1 ،عمان،الأردن،دار المسيرة للنشر والتوزيع
والطباعة،2005م .)ص:110.
2-الزين عباس عماره،مدخل إلى الطب النفسي ،ص:115.
3-يراجع نفسه ،والصفحة نفسها.
أكّد
إخوان الصفاء على تفاوت الناس في درجات تلك القوى الدّاركة بين الجيد والرديئ،
وأرجعوا هذا الاختلاف إلى أدوات تلك القوى مما يترتب عليه اختلاف الناس في إدراك
المحسوسات و المعقولات المبرهنة،ونسب الاخوان تلك القوى إلى مجموعة من الخصال نذكر
منها
1:
1- من هذه
القوى تكون معارف الحيوان كلها.
2-من تفاوت أفعال هذه القوى يكون أثر اختلاف الناس في
معلوماتهم ومنازعاتهم،وغير ذلك من الخصال.
2لتأدية القوى الدّاركة وظيفتها لابد أن تكون سليمة من
الآفات العارضة لأنها تعتمد على بعض على بعض في القيام بعملية الإدراك وما إن
تتعرض حاسة من الحواس فإنها تؤثر على
القوى الأخرى مما يترتب عليه فقد القدرة على إدراك المحسوسات وغيرها
3وذلك في قولهم:"
أن ما لا تدركه الحواس بوجه من الوجوه، لا تتخيله الأوهام،
وما لاتتخيله الأوهام،لا تتصوره العقول،وإذا لم يكن شيء معقول،فلا يُمكن البرهان
عليه،لأن البرهان لايكون الاّ من نتائج..."4 كما
أكّد الاخوان على أهمية الحواس لبقية القوى الدّاركة في مواضع متكرّرة وعدّة مثلا
نجد ذلك في قولهم
:"كل حيوان لايُبصر لايتخيل الألوان العرضية و الأجسام
الجوهرية،و ما لا سمع له،لا يتصور ولا يتخيل الأصوات الكلامية…فأما الإنسان الصحيح
التركيب السالم الحواس،فانه لما كان يفهم الكلام،صار يُمكنه أن يتخيل المعنى إذا
وُصف له."
5 1-يراجع:أبوا لسعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:145.
2-يراجع:رسائل إخوان الصفاء،ج3،ص:335،338 و 352،353.
3-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:146.
4- رسائل إخوان الصفاء،ج3،ص:351.
5-نفسه،ص:(282.283).
ومن
خلال الحديث على سلامة الدماغ و القوة المتخيلة في الإدراك عند الصفائيين ،وأهمية
الحواس في ذلك نجد هناك من المحدثين من تحدث على سلامة الدماغ – سيأتي شرح لها في
جزء إدراك الصوت اللغوي-.
لقد
تحدث المحدثين على تفاوت الناس ،أو الفروق بين بني البشر والقائمة على النشاط
العقلي،وأن هذا النشاط يُمثل قدرة عقلية عامة أو عامل عام، أو إلى قدرات عقلية
أولية أو عوامل متعدّدة.و الفروق بين الأفراد تتمثل أيضا في قدرة الفرد على تحديد
هدف معين يسعى للوصول إليه وكذلك قدرة الفرد على التفكير منطقيا و القدرة على التعامل
بكفاءة وفاعلية مع البيئة المحيطة به.
والفروق الفردية بين الأفراد تتمثل في تباين هذه
القدرات بين شخص وشخص آخر،ولذا نجد بعض
الأفراد مما يُطلق عليهم العاقين ذهني وآخرين مما يُطلق عليهم الموهوبين وهناك
مجموعة من الأفراد تمتد بين المجموعتين،أما الفروق بين الجماعات تكون بين الجنس أو
من ناحية الطبقة الاجتماعية أو الفروق العرقية(فروق بين السلالة).
كما يُمكن قياس الفروق الفردية عن طريق مجموعة من
الاختبارات وذلك بمقارنة مجموعة من الأفراد بمجموعة أخرى من نفس السن لنفس الشروط،
ويُمكن أن نذكر بعض أنواع الاختبارات :
1-اختبارات الذكاء على عدّة قدرات
نذكر منها على سبيل المثال:
أ-القدرة اللغوية.
ب-الإدراك المكاني.
ج-القدرة الحسابية.
2-اختبارات الاستعداد والميل.
3-اختبارات الشخصية.
1 1-يراجع:مصطفى باهي وفاتن زكريا
النمر، التقويم في مجال العلوم التربوية و النفسية(دط،مكتبة الانجلو
مصرية،2004م.)،ص:90،81. من خلال هذه المقارنة الموجزة نجد كل من إخوان الصفاء
والمحدثين متوافقين على تفاوت الناس وذلك راجع إلى قدراتهم العقلية من جهة ومن جهة
أخرى يرجع إلى المحيط أو بيئة المنشأ.
الحديث
عن الدماغ أو القوة المتخيلة باعتبارها أساس العمليات المعرفية و الإدراكية،وفي
العلم الحديث أو في الدراسات الحديثة يُعتبر الدماغ أيضا أساس العمليات المعرفية و
النفسية والإدراكية،و التذكر و التفكير،ويتم كل هذا من خلال وظيفة مركبة و مكتملة
التنظيم تحتوي على12 بليون من الخلايا العصبية التي تُشكل في مجموعها ما يُسمى
بالمخ البشري أو الجهاز العصبي.
1 من خلال تحدث المحدثين عن الخلايا العصبية
التي تُشكل المخ و الأعصاب؛نجد كذلك إخوان الصفاء لم يكونوا بعدين عن ذلك من خلال
قولهم:"
فنقول ينشر من مقدم الدماغ عصبات لطيفة لينة تتصل بأصول الحواس
تتفرق هناك ...الأعصاب التي في مقدم الدماغ و التي منشؤها من هناك... ."2 ويتم
تمييز مراكز إدراك الصوت في الدماغ من غيره من المراكز الخاصة بادراك المحسوسات
ذلك إن مراكز الأصوات في الدماغ،هو دلك الجزء من الدماغ الذي يكون مسؤولا عن تحويل
النبضات العصبية الصادرة عن الأذن الداخلية إلى أصوات مسموعة
3.
و الجهاز العصبي هو نقطة بداية ونهاية في عملي
الاتصال اللغوي بين متكلم و سامع هو المخ و فيما بين نقطتين يقو جهاز بالغ التعقيد
من الممرات العصبية والأعصاب المحركة وأعصاب الإحساس لدى كل متكلم وسامع إلى معرفة
الكثير عن المخ البشري،إلا أن جهود العلماء لم تستطع أن تفك جميع شفراته،فلا يزال
من العسير حتى الآن أن يجد العلم جوابا حاسما لبعض الأسئلة و من بين تلك
الأسئلة:
كيف
يتم تخزين المعلومات في مخ الإنسان من ناحية،و من ناحية أخرى
1-يرجع:أبو السعود
أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند إخوان الصفاء،ص:153.
2-رسائل إخوان الصفاء،ج2،ص:315.
3- يراجع:خلدون أبو الهيجاء ،فيزياء الصوت اللغوي
ووضوحه السمعي،(ط:1،اربد،الأردن،،عالم الكتب الحديث وعمان، الأردن،جدّار للكتاب
العالمي،2006م.)،ص:7.
ماذا يحدث على وجه التحديد عندما تنبثق في مخ الإنسان
فكرة يريد التعبير عنها؟ وغير ذلك من الأسئلة،و السبب في الغموض أنه ليس هناك سبيل
مباشر لمعرفة ما يجري داخل المخ؛لأن التداخل في هذه المنطقة ليس سهل أو يسير مثل
باقي مناطق الجسم
1.
سوف نلقي نظرة وجيزة وسريعة على التكوين التشريحي و
الفسيولوجي العام للجهاز العصبي.
1-
التكوين الأساسي للجهاز العصبي:
يُشرف المجموع العصبي على جميع حركات
الجسم تقريبا وهو الذي يتحكم في تصرفات الجسم ونشاطه كالإحساس و الإدراك و
الإفراز وهو الذي
2يربط
بين البيئة الداخلية –أعضاء جسم الإنسان-و البيئة الخارجية عن طريق الحواس الخمس،و
التي تلتقط المثيرات المختلفة و تقوم بإرسالها إلى المركز القيادي –الدماغ- الذي
يقوم بتصنيفها و توزيعها على المراكز المعينة و التي تتولى إرسال الاستجابات
المطلوبة إلى الأعضاء المختلفة في الجسم كما أن هناك مثيرات خارجية مثل القلب و
المعدة...
3و هذا يتفق مع ما تناوله إخوان الصفاء في حديثهم عن القوى
الخمس الثانية وارتباطها الوثيق مع القوى الخمس الأولى وذلك من خلال ما تقم عرضه
في الحواس والدماغ.
1-يراجع:سعد عبد العزيز مصلوح،دراسة السمع والكلام-
صوتيات اللغة من الإنتاج إلى الإدراك-(ط:1،القاهرة،عالم الكتب:200م.)،ص:259،260.
2-يراجع:حلمي المليجي،علم النفس
المعاصر،(ط:8،بيروت،دار النهضة العربية للطباعة و النشر،2000م.)،ص:80.
تمثل
الخلية العصبية الواحدة أو النيرون (NEURON) الوحدة الأساسية في بناء الجهاز
العصبي وهي كتلة صغيرة من المادة الحية(البروتولازم)يُغلفها غشاء رقيق نصف نافذ و
من مجموع الخلايا تتشكل آلية التوصيل ما
بين النظام العصبي و بين النظام العصبي الفرعي.
12- النظام العصبي الفرعي و النظام العصبي المركزي:*النظام العصبي الفرعي: يشتمل على مجموعة كبيرة من
حزم الألياف العصبية التي تربط النظام العصبي المركزي بجميع أجزاء الجسم،وتضم هذه
الحزم آلاف من المحاور أو (الألياف) المتميزة تسمي عادة الأعصاب،وتنقسم هذه
الألياف وظيفيا إلي نوعين
أ - ألياف
الحركة
:التي تقوم بنقل الحافر العصبي من النظام العصبي المركزي إلي أجزاء
الجسم حيث تقوم بتحريك العضلات أو تنظيم إفراز الغدد
ب- ألياف
الإحساس
:وتختص هذه الألياف بنقل الحوافر الناتجة عن المثيرات الخارجية،
ومثال ذلك استجابة العصب السمعي للحركة التي تحدث بواسطة الخلايا الشعرية من عضو
كورتي يقوم النظام العصبي الفرعي بتلقي الرسائل من الخلايا المستقلة وتوصيلها إلى
النظام العصبي المركزي بواسطة الأعصاب الحسبية ليقوم بتصنيفها وتفسيرها
2 *النظام
العصبي المركزي
:يشتمل على المخ والحيل الشوكي أو النخاع الشوكي
أ- المخ:وهو
أكبر عضو عصبي في الجسم وبملأ فراغ الجمجمة ويتركب من خلايا عصبية ذات فروع كثيرة
وألياف عصبية
3 وهو أعلى مراكز الجهاز العصبي ويتمثل مركز الإدارة
العليا حيث تتخذ فيه القرارات المعقّدة وتصدر منه الحراكات الإرادية الراقية و التي تحتاج إلى قدرة التحكم
في الفعل
4،وتُربط الألياف العصبية بواسطتها نسيج ضام من نوع خاص.
السطح الخارجي للمخ كثير التّعرجات و الثنايا،و يُغطي
المخ غشاء رقيق
يمتد بين ثناياه و يُسمى" الأم الحنونة"و
ينشر من هذا الغشاء عدد كبير من
1-يراجع:سعد عبد العزيز مصلوح،دراسة السمع
والكلام،ص:261.
2- نفسه :ص:266،265.
3-يراجع: حلمي المليحي، علم النفس المعاصر،ص:81.
4-يراجع:الزين عباس عماره،مدخل إلى الطب النفسي،ص:54.
الدموية التي تُغذي المخ و يُبطن فارغ الجمجمة المحيط
بالمخ بغشاء آخر متين يُسمى"الأم الجافية"فائدته تغطية السطح الخشن
للعظام حماية للمخ،ويوجد بين الأم الأولى والأم الثانية غشاء ثالث يُسمى"
الشبكة العنكبوتية" و يتصل في بعض المواضع بالأم الجافية من سطحه الخارجي و
يفصله عن الأم الحنونة فراغ يمتلئ بسائل مصلي ونسيج رقيق وظيفتهما تخفيظ تأثير الصدمات الخارجية على المخ
1.
و يتكون المخ من:
المخيخ،قنطرة فارول،النخاع المستطيل،المخ
الوسطي،الثلاموس،النصفين الكرويين،لحاء المخ
2.
تبين
من خلال الدراسات الحديثة أن القشرة المخية التي تُغلف الدماغ بمجمله بسمك يقرب 3ملم هي المواطن الرئيسي للاثنتي
عشرة بليون خلية عصبية التي تُجسد بدورها المادة الشغالة للإدراك،والقشر المخية
بمناطقها الإدراكية هي التي تقوم بأنواع الإدراك المختلفة المرئية والسمعية...
3.
وما هو متفق عليه في الدراسات الحديثة وخاصة في
الآونة الأخيرة أن مخ الإنسان ينقسم إلى قسمين وهما:قسم أيمن وقسم أيسر وهما
متقابلان،يرى بنفيلد روبرتس في سنة 1959 أن هدين النصفين ليسا متساويين ولا
متشابهين في التضاريس و الوظائف،و أن النصف الأيسر من الدماغ يُسيطر على الحركة في
النصف الأيمن بينما النصف الأيمن العكس،نما يُهيمن النصف الأيسر على معظم فعاليات
الجسم؛و كل نصف من الدماغ له أربعة فصوص وهي:
الفص الأمامي،الفص الجداري،الفص الصدغي،الفص القفوي
4.
1-يراجع:حلمي المليجي،علم النفس المعاصر،ص:81.
2-يراجع:الزين عباس عماره،مدخل إلى الطب
النفسي،ص:54،53
3-يراجع:محمد زياد حمدان،الدماغ و الإدراك الإنساني-
نظرية فسيولوجية حد يثة للذكاء و التعلم- (دط،عمان،الأردن،دار التربية
الحديثة،1983.)،ص:20،19.
4-يراجع:موفق حمدان،اللغة و علم
النفس،(ط:بغداد،1982م.)،ص:69،68.
لكل
قسم أو منطقة من المناطق وظيفة معية و هذا ما يُوضحه محمد زياد حمدان في كتابه
الدماغ و الإدراك و الذكاء والتعلم:
1-المنطقة البصرية الرئيسية :و تتوضع في مؤخرة الدماغ
و مهمتها إدراك المرئيات وهي توجد بالفص القفوي.
2-المنطقة الحركية:وهي خاصة بالأطراف و أعضاء الجسم
الأخرى تتركز هذه المنطقة في التلفيف المحاذي لشق رولاند وبآخر الفص الأمامي أو
الجبهي من الدماغ،تُدرك هذه المنطقة حركات الجسم و الأشياء عموما بما في ذلك
سلوكهم العملي.
3-المنطقة الحسية الجسدية:التي تُدرك باللمس ما يواجه
الجسم عموما من خبرات و تغيرات،تقع هذه المنطقة في الفص الجداري للدماغ مقابل
المنطقة الحركية بالطرف الآخر لشق رولاند
1.
4- المنطقة السمعية:يقع مركز السمع في القسم العلوي
من التلفيف الصدغي على طول الشق الجانبي و ينقسم إلى منطقتين:سطح القشرة و يُدرك
الأصوات الغليظة و القسم العميق من القشرة ويُدرك الأصوات الحادة،كما يوجد مركز
خاص بالموسيقى
2- سيأتي شرح لها في جزء إدراك الصوت اللغوي-
هذه هي المناطق المنتسبة للفصوص و يُمكن زيادة بعض
الوظائف لهذه الفصوص وهي:
أ-المناطق الشّمية:وتقع في منطقة بروكا بأسفل الفص
الأمامي من القشرة المخية بمحاذاة شق سيلفياس أو سيلفيوس.
ب-منطقة التذوق:ومهمتها الإحساس و تميز الطعوم-طعم
الأشياء-وتقع في التلفيف المحاذي لشق سيلفياس.
ج- منطقة التفسير المجاورة عضويا لمنطقة التذوق
ومهمتها الفهم النظري للخبرات و الأشياء.
د-المنطقة الفكرية النفيسة.ه- منطقة الكلمة الملفوظة
والمكتوبة.
1 1-يراجع:محمد زياد حمدان،الدماغ و الإدراك و الذكاء و
التعلم-دراسة فسيولوجية لماهيتها ووظائفها وعلاقاتها،(دط،عمان ،الأردن،دار التربية
الحديثة،1986م.)،ص:11.
2-محمد فائز المط،الجسم البشري،(دط،دار الهدى للطباعة
و النشر و التوزيع،عين مليلة الجزائر،و مؤسسة الرسالة،بيروت،دت.)،ج2،ص:189.
3-محمد زياد حمدان،الدماغ و الإدراك والذكاء و
التعلم،ص:11.
المنطقتين الأخيرتين سيأتي
شرح لهما في جزء إدراك الصوت اللغوي.
1 *تخطيط للدماغ يوضح موقع الفصوص الأربعة والأخاديد
التي تفصلها عن بعضها*
1-موفق حمدان،اللغة و علم النفس،ص:69.
ب- الحبل الشوكي:كتلة
عصبية مستطيلة تمتد من النخاع الشوكي داخل القناة الشوكية في العمود
الفقري و هو جسم أسطواني،يتصل النخاع الشوكي بمناطق الجسم المختلفة بواسطة واحد
وثلاثين زوج من الألياف العصبية المتفرعة و تُسمى بالأعصاب الشوكية وهي نوعان:
1-الألياف الموصلة للتنبيه الحسي وتُعرف بالأعصاب
الموردة
2-الألياف الموصلة للتنبيه الحركي و تُعرف بالأعصاب
المصدرة
1.
3-النظام العصبي المستقل:ويتم التحكم فيه ذاتيا من غير وعي و اختيار من
الإنسان ويقوم الجهاز بالمحافظة على النية
الداخلية للجسم و إعداده لمواجهة المواقف الطارئة و يتكون من جهازين فرعيين يعمل
كلاهما في اتجاه معارض للآخر وهما:
أ- الجهاز العصبي الوادي(السمبثاوي):ويسيطر على حالات
الانفعال و التهيج و الإثارة وهو مسؤول عما يحدث في هذه المواقف من زيادة دقات
القلب وغير ذلك.
ب- الجهاز العصبي نظير الوادي(الباراسمبثاوي):يعمل
على سيطرة الانفعالات وذلك بتهدئة تلك المواقف
التي تحدث في السمبثاوي.
هذه هي الأقسام المختلفة التي يتكون منها الجهاز العصبي عند الإنسان،غير أن
الجدير بالذكر أن هذه التقسيمات إنما هي تقسيمات لأغراض الدراسة فقط،و إن جمع نظم
الجهاز العصبي تعمل متكاملة و مترابطة،و إن الاستجابة هي عمل الجهاز العصبي
المختلفة.
2 تحدث الاخوان عن حركات الإنسان وقسموها إلى نوعين إرادية و طبيعية
3و ذلك من خلال قولهم:"
أعلم أن حركات البدن نوعان طبيعية وإرادية،فالطبيعية
مثل حركات نبض العروق الضوارب...من غير إرادة منه ولا اختيار،أما الحركات الإرادية
و الاختيارية فمثل القيام والقعود...فانه لا يكون إلاّ بإرادة واختيار منه وهي
مائة ونيف وعشرون حركة..."4 1-يراجع:حلمي المليجي،علم النفس المعاصر،ص: 86،85.
2-يراجع:سعد عبد العزيز مصلوح،دراسة السمع
والكلام،ص:268،267.
3-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:166.
4-رسائل إخوان الصفاء،ج3،ص:271.
هذا ما يوافق الدراسات الحديثة حيث قسمت الحركات إلى
نوعين إرادية و اللاإرادية
-الإرادية:مثل الذهاب والإياب،الجلوس و القيام وغير
ذلك من الحركات التي يتحكم فيها الإنسان و مصدرها المخ.
- اللاإرادية:مثل دقات القلب و حركة الأجفان...وغير
ذلك من الحركات التي لا يتحكم فيها الإنسان و
مصدرها الجهاز العصبي المستقل.
1 ومن
خلال هذا العرض للحواس و الدماغ و تأثيرهما في عملية الإدراك عند إخوان الصفاء و
التكوين الأساسي للجهاز العصبي عند الإنسان بالنسبة للمحدثين،لم نلحظ أي اختلاف
جوهري سوى من ناحية الدور أو التقسيمات.
نجد إخوان الصفاء قسموا المخ إلى ثلاثة مناطق وهي:
المقدمة،الوسط و المؤخرة وكذلك المحدثين قسموا الدماغ
إلى شقين و بكل شق أربعة فصوص،أما من ناحية الدور فكلاهما اتفق على أن الدماغ هو
المسؤول عن عملية الإدراك إلاّ أن المحدثين حدّدوا المنطقة المسؤولة عن الإدراك
ألا وهي القشرة المخية؛وذلك بسب ما أتاح لهم العلم من وسائل في التشريح و التجربة.
نجد كذلك إخوان الصفاء قسّموا الحركات إلى نوعين و
هذا متطابق مع الدراسات الحديثة إلاّ أن
هذه الأخيرة حدّدت مراكزها.
إذا كانت هناك فروق بين إخوان الصفاء و
المحدثين يُمكن أن ترجع لأسباب علمية مكّنت المحدثين من القيام بالتجربة والملاحظة.
1-يراجع:الزين عباس عماره،مدخل إلى الطب النفسي،ص:56.
ثانيا- القلــــــــــــــــب: بعد
أن عرضنا دور الحواس والدماغ و تأثيرهما في عملية بالنسب للإخوان و المحدثين،نجد
أن إخوان الصفاء يذكرون دور القلب في عملية إدراك الأصوات و تمييزها وفهمها؛و
لكنهم تردّدوا في رتبته أهو قبل الدماغ أم بعده؟.
1 نجدهم
يقولون عن دور القلب قبل الدماغ
:"أعلم
أن منتهى كل حاسة إلى القلب و مقرّها،وعنده موئلها،ولكل حاسة محسوسة مختصة
بها،مجعولة لها لا تتعداها،ولا تتعرض لسواها،فالبصر مختص بالنظر والأذن مختصة
بالسمع،والفم مختص بالذوق والأنف مختص بالشم وكل حاسة من هذه الحواس تؤدي
محسوساتها إلى القلب ويفهم منها حاسة القلب،ثم إن حاسة القلب إذا أدركت من الحواس
شيئا قبلته منها أدته إلى العقل ليدركه ولولا قوة حاسة القلب لبطلت هذه الحواس،كما
أن الأكمة الذي يولد كذلك لايمكنه أن يتصور السماء ولا موضعها من الجهات...ولذا
صار أفضل الأعضاء التي في أجسام الحيوان...وله مسامع يدرك بها الأصوات ويؤدي إلى
حاسة السمع وما يدرك به..."2 لكن نجدهم في موضع أخر يرون أن دور القلب بعد الدماغ
وليس قبله وذلك من خلال
:"فمن كان حاضر في ذلك الموضع[الذي يصدر منه
الصوت]أو بالقرب منه من الحيوان سمع ذلك الصوت فبلغ ذلك التموج الذي جرى في
الهواء...والحركة تنتهي إلى مؤخرة الدماغ ثم يقف فلا يكون له مخرج فيؤديه إلى
الدماغ،ثم يؤديه الدماغ غالى القلب فيفهم القلب من هذه الحاسة ما أدته إليه من ذلك
الحدث..."3حين تحدث إخوان الصفاء على دور القلب كمستقبل اوّل،أي
أن الأمر لايبلغه مباشرة.
عند استقبال الدماغ لها اوّل مرة يرسلها إلى القلب
فيكون دور هذا الاخيرامّا الرفض أو القبول،وإذا قبلها أو رضي عنها أرسلها إلى الدماغ كي يدركها فيثبت في الذاكرة
،وبالتالي لايوجد تناقض في المقولتين ولا اضطراب بل
1-يراجع:أبو السعود احمد الفخراني ،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:148.
2-رسائل إخوان الصفاء،ج3 ،ص:87.
3-نفسه : ص:85.
يكمّل إحداهما الآخر.
نجد إخوان الصفاء يؤكدون على دور القلب في عملية
الإدراك بينما المحدثين لايذكرون دوره لامن بعيد أو قريب في عملية الإدراك
1ثالثا- الجلــــــــــــــــــد: بعد
الحواس والدماغ والقلب يأتي دور الجلد في عملية الإدراك الأصوات،حيث لم نجد نص
يذكر دور الجلد في الإدراك الأصوات عند إخوان الصفاء،ولكنّهم تعرضوا لدور الجلد في
الإدراك العام وهذا متفق بين المحدثين والإخوان وقد تمّ عرضه في جزء الحواس
والدماغ،لكن نجد من المحدثين من تحدث عن "الحساسية
التذبذبية –اللمسية" فيقولون إن الجلد (وعلى الأخص جلد أنامل الأصابع) يستطيع
أن يدرك تذبذبات الأصوات وبخاصة تلك التي يقع تردّدها بين100و600-800 هرتز.
ولا يعتد بهذه الملكة في إدراك أصوات اللغة عند
الإنسان الطبيعي .إلا انه يمكن استغلالها استغلالا كبيرا للتعويض عن السمع بالأذن
عند المرضى المصابين بالصم بدرجة عميقة،وعلى الأخص في تدريب الأطفال منهم وتربيتهم
2
من
خلال دور القلب والجلد في الإدراك عند إخوان الصفاء بالنسبة للأولى والمحدثين
بالنسبة للثانية،نجد فرق جوهري واضح وهو تباين في الآراء بين إخوان الصفاء
والمحدثين حيث نجد إخوان الصفاء يركّزون على دور القلب في حين انّهم لم يذكروا دور
الجلد،على خلاف المحدثين يركّزون على دور الجلد ولا يذكرون دور القلب
1-يراجع:أبو السعود احمد الفخراني ،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء ،ص:170.
2-بسّام بركة ،علم الأصوات العام-أصوات اللغة
العربية-(دط ،لبنان-بيروت،مركز الإنماء القومي ،دت)،ص:(56.55).
3-أهمية السمع في عملية الإدراك: تحدث
إخوان الصفاء عن أهمية السّمع حين عدّوه الطريق الذي تقبل به النفس معاني اللغات
1في قولهم :"
و أن النفس بطريق السمع تُدرك من هو غائب بالمكان و
الزمان."
2 و في موضع آخر أكّدوا على هذه الأهمية حيث
قالوا:"
و طريق استماع الأخبار التي ينفرد بها الإنسان دون سائر الحيوانات
يفهم الغائبة عنه بالزمان و المكان جميعا".
3تعدّدت المواضع التي أكّد فيها الإخوان على أهمية
السمع في عملية الإدراك نجد مثلا قولهم في موضع آخر:"
و ما لاسمع له فهو
لايتخيل الأصوات،ولا يتوهمها لأن التّخيل أبدا في تصوّره للأشياء تبعا للإدراك
الحسي".
4و من المحدثين الذين أكّدوا على أهمية السمع في عملية
إدراك الصوت إبراهيم أنيس في كتابه الأصوات اللغوية حيث يقول:"...تصدر
الأصوات من الإنسان فتنتقل أولا من الهواء الخارجي على شكل موجات حتى تصل الأذن
الإنسانية ومنها إلى المخ فتُترجم هناك و
تُفسر،فالسمع هو الحاسة الطبيعية التي لابد منها لفهم و إدراك تلك الأصوات."
5ونجد أيضا كارل ديتر بونتنج في كتابه المدخل إلى علم
اللغة حيث يقول:"...حاسة السمع وأعضاء النطق ترتبط بالمخ بين النطق
و"الإخبار"...وإخبار حاسة السمع عبر الإدراك من جهة أخرى..."
6.
وكذلك سعد عبد العزيز مصلوح في كتابه دراسة السمع
والكلام-صوتيات اللغة من الإنتاج إلى الإدراك-و لكنها تتعلق بأهمية السمع في عملية
إدراك الصوت اللغوي-سيتم شرحها في جزء إدراك الصوت اللغوي.
نجد أن
إخوان الصفاء تنبهوا لأهمية السمع-الحاسة السامعة-في عملية الإدراك،و هذا ما
أوضحته و أكّدته الدراسات الحديثة بالشرح و التفصيل.
1-أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند إخوان
الصفاء،ص:170.
2-رسائل إخوان الصفاء،ج3،ص:100.
3-نفسه:ص:342.
4-نفسه:ص:345.
5-إبراهيم أنيس،الأصوات اللغوية،(ط:3مكتبة الأنجلو
المصرية ،1992م.)،ص:13.
6-كارل ديتر بونتنج،مدخل إلى عام اللغة،تر:سعيد حسن
بحيري،(ط:1،القاهرة،مؤسسة مختار للنشر و التوزيع،2003م.)،ص:67.
4-التمييز بين سماع الصوت وإدراكه: نلاحظ
أن الإخوان يميّزون بين سماع الصوت و إدراكه و هو ما تنبهت له الدراسات الحديثة
مؤخرا؛حيث أن الدراسة السمعية و الدراسة الإدراكية كل واحد منهما علم مستقل بذاته
1أو
فيما يُعرف بمهارة التمييز السمعي،وهي قدرة الفرد على التمييز بين الأصوات
2ورأت
الدراسة الحديثة أن الدراسة الإدراكية أو التمييز السمعي هي دراسة الإشارات
الصوتية و ليس سماعها
3،أي هي خلاف السمع فالسمع كما اشرنا وظيفة
فيزيائية بينما التميّز السمعي أو الدراسة الإدراكية هي وظيفة معرفية
4.
يشتمل التميّز السمعي على مهارات خاصة نذكر منها:
1-يتعرف على الأصوات المختلفة في البيئة.
2-يميز الصفات المتعلقة بالأصوات مثل
(هادئ،مرتفع،...).
3-يُحدد مصدر الصوت.
4- يُتابع مؤثرا صوتيا معيّنا ضمن خلفية عرضية من
المؤثرات الصوتية.
5-يُميز بين النغمات الصوتية.
6-يُحاكي الأصوات المختلفة في البيئة.
5ومن خصوصيات هذه المرحلة هي دراسة الأصوات بعد سماعها
و انتقالها إلى المخ على هيئة ذبذبات.
من خلال هذه المقارنة نجد أن إخوان الصفاء
لم يكون بعيدين على المصطلح الذي طرحته الدراسات الحديثة ألا وهو التّميز السمعي
أو التمييز السمعي و أوضحت الفرق بين السماع و الإدراك إذ أن السماع الجيد يترتب
عليه الإدراك الجيد؛وبهذا يكون توافق بين الإخوان و المحدثين.
1-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:106.
2-يراجع:أسامة البطايلة و آخرون،صعوبات
التّعلم،ص:109.
3-يراجع:أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:106.
4-يراجع:أسامة البطايلة وآخرون،صعوبات التّعلم،ص:109.
5-يراجع:علي أحمد مدكور،تدريس فنون اللغة
العربية،(دط،عابدين،القاهرة،دار الشوّاف للنشر و التوزيع،1991م.)،ص:84،83.
5-علاقة الحاسة السامعة بما يبلغها
من الأصوات: يبحث الصفائيون في مسألة إدراك الحاسة
السامعة للأصوات وأوجه العلاقة الموجودة بين ما تسمعه الحاسة السّامعة للأذن من
أصوات و بين الإنسان ككل؛فهم يضعون المبدأ الأساسي لنظريتهم
1 وهذا ما
تبين في قولهم:
"أعلم أن إدراك السامعة لصوت الحجر و الجواهر المعدنية و
الجمادات غير النامية و الحية كنمو النبات، و حوار الحيوانات، فهذا لما بينها و
بين تلك المناسبات و المجانسات من الجهة الجسمية و الطبيعية و
الأرضية و
دلك أن جسم الإنسان مائل إلى التراب.
"2 من
خلال هذه المقولة يتضح من قول الإخوان أن إدراك الإنسان لمجموعة من الأصوات راجع
إلى العلاقة بين الإنسان و مصادر تلك الأصوات من الجهة الجسمية و الطبيعية و
الأرضية؛من خلال هذه النظرة نجد أن
المحدثين تطرقوا لهذه الظاهرة في ميدان الفيزياء الأكوستيكية لكن كانت لهم طريقة
خاصة في هذا التعليل؛فالمعلوم أن الارتجاجات التي تُحدثها الأجسام المصطدمة تنتقل
عبر الهواء،فيوصل هذا الأخير الارتجاجات الحاصلة إلى طبلة الأذن فيضطرب هذا الأخير
بدوره ثم يؤثر في العصب السمعي ويوصل الاستشارة إلى الدماغ، وثمة يتكون الانطباع
الأكوستيكي هذا هو التعليل الذي تقدمه الفيزياء الحديثة
3،وما يؤكد هذا
التحليل القول التالي:"هذه الاهتزازات التي تُحدثها الأجسام أثناء تصويتها
تؤثر في جزيئات الهواء فتجعلها تهتزثم تنتقل إلى طبلة الأذن فتهتز و تنتقل هذه
الاهتزازات إلى المخ فيسمع الصوت."
4 نجد
نظرة إخوان الصفاء تختلف عن نظرة المحدثين اختلافا كليا،فنظرة إخوان الصفاء كانت بعلاقة مادة الإنسان
والأصوات التي تحدثها الأجسام وهذه المواد كلّها تصدر أصوات قوية كونها تنتج أحداث
طبيعية قوية مثل الدفع،أو السقوط أوالزلازل أو...
1-يراجع:محمد أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي و
اللساني عند إخوان الصفاء،ص:79.
2-رسائل إخوان الصفاء،ج3،ص:106.
3-يراجع:محمد أديوان، الصوت بين النظرين الفلسفي
واللساني عند إخوان الصفاء،ص:79
4-الخطيب محمود،الفيزياء الطبيعية،(دط،
القاهرة،دت.)،ص:10نقلا عن: محمد أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي و اللساني عند
إخوان الصفاء،ص:79.
أما بالنسبة إلى المحدثين تحدثوا عن نقل الموجة
الصوتية فقط من أي مصدر كان،وينتقل كل الموجات إلى الأذن مهما كان مصدرها ترابي
وغير ترابي وبهذا نجد أن إخوان الصفاء كانت انطلاقتهم فلسفية بينما المحدثين كانت
انطلاقتهم من التجربة والملاحظة
1 تحدث الإخوان عن التمييز في الإدراك
الأصوات داخل الدماغ أي التفريق بين صوت البوق وبين صوت آخر، حيث رأو أن
الدماغ بما فيه من مراكز الادراك يستطيع
أن يميز بين الصوت الإنساني ذي الدلالة والمعادن العلنية وبين الأصوات الحيوانية
الأخرى التي تريد بأصواتها دفع المضار وجذب المنافع من جهة ومن جهة أخري بين الأصوات الآلية والأصوات الطبيعية
2 سيأتي شرح لهذه الجزيئية والمقارنة بين إخوان الصفاء
والمحدثين في جزء إدراك الصوت اللغوي.
ربط
إخوان الصفاء بين قوى الإحساس والإدراك
بمختلف القوى في الإنسان بين الأفلاك والكواكب،وهذا الاعتقاد منبثق من فكرتهم
العامة التي مفادها أن كل الكائنات التي دون فلك القمر مربوطة بحركات الأشخاص
الفلكية،وقد رأى المحدثين بطلان هذا الاعتقاد
3 1-يراجع : محمد أديوان،الصوت بين النظرين الفلسفي
واللساني عند إخوان الصفاء،ص:80
2-يراجع: أبو السعود أحمد الفخراني،البحث اللغوي عند
إخوان الصفاء،ص:153،152.
3- نفسه :ص:(171.170).
الخـــــــــــــــــــــــــــــــــلاصـــــــةومن خلال ما تم عرضه من مادة علمية بين إخوان الصفاء و المحدثين
نخلص إلى مايلي
-ركّز إخوان الصفاء على الجانب
النفسي في عملية إدراك الأصوات،و هذا ماأكّدته الدراسات الحديثة أن عملية إدراك
الأصوات هي عملية نفسية وميدانها الحقيقي هو علم النفس.- رأى الإخوان أن حواس الإنسان تلعب دورا أساسيا في
عملية الإدراك بصفة عامة؛وخاصة حاسة السمع في عملية إدراك الأصوات و ذلك بتعاونهما
مع الدماغ،وهذا ما أثبتته الدراسات الحديثة في علاقة الحواس بالدماغ في عملية
الإدراك.
-تحدث الإخوان عن مراكز الإدراك و اعتبروا أن الدماغ
هو المسؤول عن العمليات الإدراكية و الفكرية،وهذا ما أكّدته الدراسات الحديثة من
خلال تحديدهم للمنطقة الإدراكية ألا و هي القشرة المخية.
- أكّد الصفائيون على أن الدماغ يُخزن المعلومات و
المحسوسات و يتم استرجاعها عند الحاجة،وهذا ما اعترفت به الدراسات الحديثة مؤخرا.
- الدماغ البشري مكوّن من خلايا عصبية و هي المنشأ في
الأصل،و هذا ما اتفق عليه الإخوان والمحدثين.
- أكّد كل من الإخوان والمحدثين على سلامة الدماغ وأهمية الحواس في
عملية الإدراك.
-رأى إخوان الصفاء أن الدماغ مقسّم إلى ثلاثة
فصوص:مقدمة و وسط
مؤخرة،وهذا التقسيم يتفق مع العلم الحديث من الناحية
التشريحية؛حيث قسّموا الدماغ إلى شقين وكل شق به أربعة فصوص:أمامي و خلفي و صدغي و
قفوي وأن كل قسم له وظيفة معينة سواء عند المحدثين أو إخوان الصفاء.
–رأى الإخوان أن للقلب في إدراك الأصوات،ولكن
المحدثين لم يتعرض إلى هذا ؛في حين نجد أن
المحدثين تعرضوا للجلد ودوره في عملية إدراك الأصوات بينما الإخوان لم يتطرق إلى
ذلك.
-ربط إخوان الصفاء قوى الإحساس و الإدراك في الإنسان
بين الأفلاك و الكواكب،أما المحدثين يرون بطلان هذا الاعتقاد.
-تحدّث كل من الإخوان و المحدثين عن أهمية السمع في
عملية الادراك.
-فرّق إخوان الصفاء بين سماع الصوت وإدراكه؛وهذا ما
يُعرف في الدراسات الحديثة بالتّميز السمعي أو التّمييز السمعي.
-الفرق حوهري بين إخوان الصفاء و المحدثين،أن الإخوان
في تفسيرهم للأصوات المدركة عن طريق الدماغ كان فلسفيا محضا،أما المحدثين كان
منطلقهم أكوستيكي ويعتمدون على الملاحظة العلمية و التجربة المباشرة.